IMLebanon

تركيا – أوروبا: فسخُ الخطوبة أفضل من الحلم بالزواج

لم يُطالب البرلمان الأوروبي عقبَ اجتماعه الأخير مركزَ القرار في الاتحاد بفرض تدابير اقتصادية على تركيا تندرج في إطار معاقبتها بسبب ملفّات سياسية وقانونية، تتعلّق بقضايا الحرّيات والديمقراطية وقوانين الطوارئ المعلنة في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف شهر تمّوز المنصرم . لكنّه فعلَ أسوأ من ذلك بدعوته القمّة الأوروبية في اجتماع الشهر المقبل إلى تجميد المفاوضات مع تركيا في موضوع العضوية الكاملة، حتى تتراجع عن القرارات والقوانين السياسية والقانونية التي اتّخذتها في إطار حالة الطوارئ المعلنة في البلاد.

وزير الخارجية التركي مولوود شاووش أوغلو قال مُتحدّياً البرلمان: إذا ما كنت بهذه القوّة، فلم لا توقف حملات الدعاية التي تشنّها التنظيمات الإرهابية ضد تركيا، وتحذّر دول الاتّحاد الأوروبي من عدم عرقلة استقبال وإيواء اللاجئين الوافدين إليها؟

لكنّ الردّ الأقوى جاء كالعادة من قبَل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال إذا كنتم ترغبون في رفض طلبِ عضوية تركيا، فافعَلوا ذلك سريعاً وأخبِرونا بالنتيجة. نحن سننتظر حتى نهاية الشهر المقبل ثمّ نلجأ إلى الشعب لنسأله رأيه في مسألة العضوية، ونقرّر في ضوء ذلك تماماً كما فعلَت بريطانيا.

خيبة أمل تركية – أوروبّية متبادلة في موضوع تقدّمِ العلاقات نحو قبول طلب الالتحاق التركي، فلمَ المماطلة والتطويل، وعدم إعلان فسخِ الخطوبة التي مضى عليها أكثر من 5 عقود من دون أية بوادر حقيقية باقتراب موعد الزواج ؟

القيادات الأوروبية بغالبيتها تكرّر قناعتها في استحالة قبول الطلب التركي، وسط الظروف القائمة، وتدعو إلى مواجهة الحقيقة بشجاعة. مفاوضات الانضمام باتت ضرباً من الخيال لأنّ تركيا تبتعد عن المعايير الاوروبية يوماً بعد آخر.

جان كلود يونكر، رئيس المفوضية يقول إنّ تركيا ليست في موقع يؤهّلها لنَيل عضوية الاتحاد الأوروبي في أيّ وقت قريب، لكنّ السخرية دفعَت في الفترة الأخيرة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للقول إنّه لا يتوقّع انضمام تركيا إلى عضوية الاتّحاد قبل حلول العام 3000.

تركيا تشعر بخيبة أمل أوروبية بسبب اتّفاقية اللجوء التي كانت ستوفّر لها تسريعَ مفاوضات فتحِ الطريق أمام العضوية الكاملة، والحصول على دعمٍ ماليّ أوروبّي يساهم في إنجاز مشروع المنطقة الآمنة للسوريين في شمال سوريا، وكذلك صدور قرار رفعِ التأشيرات أمام المواطنين الأتراك ليَدخلوا بسهولة المدنَ الأوروبية، فلم يَحدث أيّ شيء من هذا القبيل.

لهذا نرى الوزيرَ التركي شاووش أوغلو يردّ رافضاً الاتّهامات النمساوية وقرار وقفِ تزويد تركيا بالتكنولوجيا العسكرية، معتبراً أنّ الأجدى بالمستشار النمساوي أن يهتمّ بشؤون بلاده، فالنمسا اليوم هي عاصمة العنصرية المتشدّدة.

ونرى نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي يقول إنّ بلاده أدّت ما يتوجّب عليها بخصوص مسألة الانضمام إلى عضوية الاتحاد، وأنّ تصريحات القيادات الأوروبية تعكس مماطلة الاتّحاد وتهرُّبَه من مسؤولياته.

ونقرأ ابراهيم كالين الناطق باسم الرئاسة التركية يصف قرارَ البرلمان الاوروبي بالمخزي، في الوقت الذي أخفقَت فيه أوروبا في معالجة القضايا الحقيقية من تنامي العنصرية وكراهية الأجانب والجماعات المناهضة للهجرة والتطرّف والعزلة والإسلاموفوبيا .

لكنّ ما قاله الرئيس أردوغان يبقى أبعد وأهمّ بكثير من مسألة إلغاء اتفاقية اللجوء، حيث أشار الى احتمال فتح الحدود مجدّداً أمام تدفّق اللاجئين العرب والأفارقة والآسيويين في اتّجاه العواصم الاوروبية.

هي محاولة لتذكيرهم بأنّ تركيا التي تلعب اليوم دورَ الحاجز الذي يحمي أوروبا من اكثر من أزمة سياسية وأمنية واجتماعية شرق أوسطية لم تتقاضَ أيّ ثمن على دورها هذا، وهي قد تتخلّى عن هذه المهمة للذهاب بمنحى استراتيجي آخر روسي أو تحالفي جديد مع منظمة شنغهاي الآسيوية.

تصويتُ البرلمان الأوروبي على مشروع قرار تجميد مفاوضات الانضمام مع تركيا، لا يعكس فقط المواقف الاوروبية حيال تركيا ونقطة اللاعودة في مسألة العضوية التركية التي وصَلت الى طريق مسدود، بل يُظهر مستوى التأزّم الذي وصَلت إليه العلاقات التركية – الأوروبية والذي يصِرّ البعض على أنّه ليس نهاية الطريق.

إحترام توصية البرلمان الأوروبي الذي يمثّل القواعد الشعبية الاوروبية بكافة ميولِها وتياراتها وتوجّهاتها ضرورةٌ في المقاييس الديمقراطية للأمور. المجلس الأوروبي قد يكون صاحبَ القرار لكنّ عدم احترام ما يقوله المواطن الاوروبي عبر ممثّليه في البرلمان وبأكثرية مطلقة، بغضّ النظر عن طريقة قراءته لِما يجري في تركيا وموضوعيته واعتداله، يعرّض رؤساءَ الحكومات ووزراء الخارجية للمساءلة أمام ناخبيهم ودفع الثمن سياسياً وحزبياً وانتخابياً لاحقاً داخل بلدانهم.

الأفضل بعد الآن هو أن يلتزم المجلس الأوروبي في قمّته المقبلة بتوصية البرلمان الواضحة في وقفِ التفاوض مع أنقرة، وأن لا يكرّر ما فعَله أكثر من مرّة بمحاولة رفعِ صفّارة الحكم بين تركيا ومؤسسات الاتّحاد مِثل المفوّضية والبرلمان والتلطّي وراء سياسة يصفها بالواقعية والبرغماتية، تؤخّر الانفجار فقط لكنّها لن تقطع الطريق عليه.

القطيعة التركية الاوروبية قد تدفع الطرفين إلى مراجعة مواقفهما وخياراتهما والفرَص البديلة، وربّما القيام باستفتاء شعبي في الجانبين حول طلب العضوية التركي قد يساعد على قول الكلمةِ الحسمِ في إنهاء الحلم أو العودة إلى مقعد الخطوبة مرّة أخرى، لكن شرط النجاحِ في الاستفادة من الدروس والعبَر، والإسراع في عقد القِران، إذا كان هذا هو المطلوب .

55 عاماً تمرّ على التحرّك من خط الانطلاق في اتّجاه العضوية التركية في المجموعة الاوروبية، هناك دول كثيرة تقدّمت بطلباتها بعد تركيا بعقود، وبينها مَن هو محسوب على أوروبا الشرقية والحلف السوفياتي سابقاً، ونالت ما تريد قبل تركيا بعقود أيضاً.

أيّ نوع من الاستراتيجيات هي، أن تتحرّك دولة نحو الهدف ولا تصل إليه ابداً؟ إمّا أنّه السراب أو أنّها تسير في طريق خاطئ، أو أنّ الطرف الذي تُفاوضه ليضيء شعلة الطريق أمامها هو الذي يعرقل مسيرتَها ولا يريد وصولها.

يكفي الجانبين هذه العلاقة المطّاطة مثل حبّة العلك في الفم تَسحبها تَطول بقدرِ ما تشاء، إلى أن تنقطع فتعيدَ مضغَها وتجميعَها مجدّداً لتسحبِها مرّةً أخرى تتسلّى بها إلى أن تملّ.