IMLebanon

“الرزمة الإماراتية”: قليل من الدعم …لا ينسف “العقوبات”

 

 

استعاد رئيس الحكومة سعد الحريري ابتسامته، بعدما اضطره جنوح الوضع الاقتصادي – المالي واقتراب لبنان من حافة الانهيار، إلى الاستعانة بمفردات قاسية تستخدم عادة في حالات الطوارئ كـ”التحذير” و”الخشية” و”التدهور” و”الانفجار”…

 

وها هو يواظب من جديد على التقاط صور “السيلفي”، بعدما لاقاه المسؤولون الإماراتيون بكثير من الوعود والبشائر الاستثمارية التي من شأنها أن تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية – المالية، وتعيد بعض الثقة إلى دولة “المئة مليار دولار ديناً”، تقريباً.

 

جانبان متناقضان طبعاً في زيارة رئيس الحكومة إلى الإمارات، وفق ما يقول أحد المتابعين: الجانب الأول، يعبّر عنه مسار زيارة الدولة، حيث بدا وكأنّ نتائجها تُركت معلّقة لبنت ساعتها. حتى أنّ الضيف تصرّف وكأنّ ثمارها غير مضمونة، فخشي الاعلان مسبقاً عما ينتظره من “هدايا” سيقدمها المسؤولون الاماراتيون في سبيل الحؤول دون انهيار الوضع المالي في لبنان. هذا ما يفسّر مثلاً، عدم تضمّن “الروزنامة” المالية حتى الساعة، أي وديعة كان يُنتظر أن يعلن عنها الإماراتيون.

 

أما الجانب الثاني، فتعكسه المعلومات المتداولة عن استراتيجية استثمارية مغطاة سياسياً، تتصرّف على أساسها القيادة الإماراتية ازاء الشأن اللبناني، بشكل ينسف نظرية “العفوية”. اذ يؤكد المتابعون أنّ كل ما جرى الافصاح عنه في الإمارات هو نتيجة خطة استثمارية متكاملة ستظهر حلقاتها تباعاً، وهي ناجمة عن قرار واضح اتخذته قيادة الامارات في شأن تعاملها مع لبنان. ويشير هؤلاء إلى قطاعات ثلاثة يبدي الاماراتيون اهتمامهم فيها: النفط والغاز، الطاقة المتجددة، والأمن الغذائي من خلال الاستعانة بتجارب أوروبية في هذا الشأن، كما حصل في المغرب مثلاً أو السودان حيث قامت دول أوروبية باستثمار مساحات زراعية شاسعة. ولهذا مثلاً يولي رئيس الحكومة اللبنانية عناية خاصة بالشأن الزراعي حيث رعى قبل أيام ورشة عمل لوزارة الزراعة حول التحوّل الزراعي في لبنان.

 

عملياً، تصعب المزاوجة بين رغبة الإمارات في العودة إلى السوق اللبناني من باب الاستثمار فيه في هذه اللحظات الدقيقة التي يشهدها الاقليم، وفي وقت شديد الصعوبة يمرّ به الوضع اللبناني، وبين الطوق الذي تمارسه الادارة الأميركية على “حزب الله” من خلال رزمة العقوبات التي يفرج عنها تباعاً. مساران يكادان يكونان متناقضين تماماً.

 

بالتفصيل، يؤكد بعض المتابعين أنّ هذه الزيارة ما كانت لتتمّ لولا نزع السموم من العلاقة التي تجمع الإمارات بالحريري، وهي غير مفصولة عن الاستراتيجية الأميركية في تعاملها مع الملف اللبناني، بمعنى أنّ الإدارة الأميركية سبق لها أن عبّرت على لسان أكثر من مسؤول وأمام أكثر من مسؤول لبناني، أنّ استهدافها “حزب الله” والعمل على تجفيف “ماليته” لا يعني أبداً أنّها تفرّط بالاستقرار اللبناني.

 

وبالتالي، هي تتعامل مع لبنان ضمن مسارين منفصلين: عقوبات ضدّ قياديي “حزب الله”، بالتوازي مع الحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار اللبناني، اقتصادياً ومالياً، بشكل يحول دون انهياره. كما تقضي هذه الاستراتيجية الأميركية بحماية حلفائها من خلال تأمين مقومات الدعم ومنع ذوبانهم في وعاء “حزب الله”، حيث يسود الاعتقاد، أنّ تدهور الوضع أكثر سيؤدي إلى تعزيز نفوذ “الحزب” في التركيبة اللبنانية. ولهذا لا بدّ من الحفاظ على التوازن الداخلي والحؤول دون اخلاء الساحة أمام “حزب الله”.

 

ويشير المتابعون إلى أنّ واشنطن حاولت منذ أكثر من سنة اقناع السعودية بالعودة إلى الساحة اللبنانية من خلال بوابة الدعم، لكن الرياض تجاهلت المسألة. ولهذا كانت الإمارات خطّ الاسناد البديل خصوصاً بعد التطورات التي شهدتها السعودية بفعل الاعتداء على منشآت أرامكو، حيث يقول المتابعون إنّ دول الخليج تصرفت مع ايران وفق القاعدة الشهيرة ذاتها التي أطلقها الحريري في الرابع من أيلول الماضي: “حزب الله” ليس مشكلة لبنانية فقط بل مشكلة إقليمية… وليست مشكلتي أو خطأي أن “حزب الله” أصبح قوياً الى هذه الدرجة”.

 

اذاً، يرى المتابعون أنّ “الانعطافة” الاماراتية تجاه لبنان ليست عبثية ولا هي تجري على رمال متحركة، لا بل تنمّ عن استراتيجية جديدة في التعاطي مع لبنان انطلاقاً من قراءة جديدة للتطورات والالتصاق بالأجندة الأميركية، مشيرين إلى أنّ الرياض قد تكون في طور السير في الدرب ذاته بعد الاعلان عن رغبتها في توقيع سلّة اتفاقيات ثنائية مع لبنان بشكل يعيد تعزيز خطّ بيروت – الرياض.

 

ومع ذلك، يجوز السؤال عن جدية القوى اللبنانية في تلقّف هذه الفرصة وإقناع المستثمرين الاماراتيين في تشغيل رساميلهم في سوق باتت أشبه بالسلّة المثقوبة التي تسرّب كل ما يوضع في داخلها، فيما تعجز الطبقة السياسية عن إقرار إصلاحات مطلوبة بـ”القوة” لتأمين مليارات “سيدر”!!