IMLebanon

معمودية التجديد لليونيفيل والفولكلور اللبناني

 

 

تقف الدولة اللبنانية قبيل شهر آب/أغسطس من كل عام أمام اختبار حقيقي يجريه المجتمع الدولي لأدائها خلال السنة المنصرمة حيال تنفيذ القرار 1701 وجدوى بقاء قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. المفارقة المتكررة هي في مطالبة الدولة اللبنانية بإلحاح نهاية كل عام بالتجديد لهذه القوات وفي إظهار القلق من المخاطر المترتبة على عدم التجديد، بالرغم من حوادث الإعتراض والإعتداء عليها التي أضحت فولكلوراً جنوبياً يديره حزب الله في أمكنة وتواقيت يختارها وفقاً للظروف، دون أن تبادر الدولة الى ردع هذه الممارسات بطريقة تمنع تكرارها.

المشهد الفولكلوري الآنف الذكر لم يكن في أي فصل من فصوله منتجاً لبنانياً صرفاً، بل كان نتاجاً لمشهد فولكلوري إقليمي أكبر رَعته الولايات المتحدة عبر وكلائها. لم ترقَ حالات الإعتراض لقوات اليونيفيل في أقصى توتراتها إلى مستوى الإقناع الذي قدّمه فيلم «سفر برلك»، كما أن تجمهر الشبان في شوارع البلدات الجنوبية كان أقرب إلى أحد مشاهد «باب الحارة» منه إلى حالات المواجهة مع قوة عسكرية مدججة بالسلاح. وبما يؤكد فلكلورية الإعتراض هو تآلف القوات الدولية مع هذا التقليد، حيث أضحت تدرك أن دورها هو الإنتظار ريثما يكتمل المشهد  ويسدل الستار بحضور قوة محدودة من الجيش تقوم بتطييب خواطر الشبان وتحرير  الدورية. في ظلّ هذا السياق توالت فصول التجديد المتكرر لقوات اليونيفيل بالرغم من كل الإنتهاكات المسجّلة لإعطاء المشهد الفلكلوري الآنف الذكر بُعداً دولياً.

 

تدرك الولايات المتحدة ـــــــ أن المهام التي كُلفت بها قوات اليونيفيل بموجب القرار 1701/2006 لجهة مساعدة الحكومة اللبنانية في ضمان أمن حدودها بما يمنع دخول أسلحة أو معدات بدون موافقتها، أو تلك المتعلقة بإقامة منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة ـــــــــــ  لم تكن ممكنة التحقيق في ظلّ سيطرة النظام السوري والحرس الثوري على الحدود وهيمنة حزب الله على القرار السياسي في لبنان بدعم واضح من طهران.

ما الذي تغير  الآن في المشهد، ولماذا أثار ما نقلته صحيفة «يسرائيل هيوم» ، «أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل قررتا إنهاء عمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام في لبنان»، كل هذه الموجة من القلق بالرغم من أن واشنطن لم تبلغ بيروت رسمياً رغبتها بإنهاء مهمّة هذه القوات؟

إن التماهي بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي فيما  يتعلق بمهمة اليونيفيل مرده إلى ما تعتبره واشنطن تلكؤاً من لبنان في مصادرة سلاح حزب الله أو محاولة للإلتفاف على القرار المذكور. هذا ما يؤكده إنقطاع التواصل مع لبنان ليس من قبل واشنطن، بل من قبل دول الخماسية التي تعتبر نفسها الراعية لاتّفاق وقف إطلاق النار ووصول العماد جوزاف عون الى سدّة الرئاسة. هذا وقد قدمت الضربات الإسرائيلية الأخيرة للضاحية الجنوبية والتي قال نتنياهو أنها تمت بالتنسيق مع واشنطن نموذجاً للمخاطر المترتبة على ذلك.

يمثّل التسريب الأميركي أكثر من إشارة وأقل من تهديد مباشر للبنان. تدرك الدولة اللبنانية أن مهمة قوات اليونيفيل لجهة تمديدها أو تعديلها أو إنهائها ستكون موضع نقاش دولي، وما سيقرّه مجلس الأمن هذا العام لن يكون كما سبقه. إن تمديد مهمة هذه القوات لن يكون  له أي مبرر سوى تطبيق القرارات 1701, 1559و1680 لا سيما بعد تدمير البنيّة التحتية لحزب الله وسقوط النظام السوري. كذلك فإن وجود هذه القوات في إطار لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار يؤكد إلزامية السعي الأميركي لتطوير مهمتها خارج نطاق جنوب الليطاني وإن ضمن قواعد اشتباك مختلفة.

يتحوّل مصير مهمة اليونيفيل إلى معمودية حقيقية تضع لبنان أمام خيارين مؤلمين، أولهما تعديل مهمة اليونيفيل في مجلس الأمن بما يتناسب مع الوضع الإقليمي الجديد الذي يرفض لبنان أن يكون جزءاً منه. وثانيهما إنهاء مهمة اليونيفيل بما يحول دون إنسحاب الجيش الإسرائيلي، وبما يعيد الصراع على الحدود الجنوبية إلى المربّع الأول أي إلى ما قبل العام 2000 ويأخذ لبنان من موقع الشريك في التسوية الى طرف تُفرض عليه التسوية وعلى حسابه.

وفيما يقف لبنان على مشارف نقطة اللاعودة، يصرّ أصحاب القرار على استمرار الدور الفولكلوري لليونيفيل غير مدركين فداحة المخاطر المترتبة على حماية سلاح غير شرعي.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات