IMLebanon

هل يُستثنى لبنان من قرار وقف خدمات “الأونروا”؟

 

‎نهاية الشهر الجاري ستعلّق وكالة «الأونروا» خدماتها في لبنان لما يقارب 240 ألف لاجئ فلسطيني. للقرار تبعاته اللبنانية في شقين سياسي وإقتصادي إنما بأبعاد أمنية. في السياق السياسي يدلّل الموقف الأميركي الذي تبعته الدول الغربية التي تمول «الأونروا» إلى عامل خطير وهو أنّ هناك من لديه رغبة في إقفال ملف اللاجئين الفلسطينيين. في غمرة الحديث عن تسوية مقبلة في المنطقة، يندرج القرار في سياق إغلاق الملف والقول إنّ هذه التسوية لن تشمل كل مقيم خارج فلسطين، وسيبقى لاجئاً في بلدان تواجده ويسقط حق العودة عنه.

 

‎وليس من باب الصدفة صدور قرار سياسي بخلفيته، والمسألة ليست مسألة ميزانية تعجز الدول عن دفعها، بقدر ما يؤكد المخاوف من تحضير مشروع تحت عنوان تسوية لا تشمل حق العودة، له خطورته على الشعب الفلسطيني المشرّد من أرضه وعلى الدول المضيفة مثل لبنان الذي لم يعد قادراً على تحمل مزيد من النزوح والهجرات.

 

‎والوكالة التي تأسست بموجب قراري مجلس الأمن الدولي 181 و194، اللذين ينصّان على حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، تلوّح بقرارها إلى احتمال أن يكون هذا الحق قد أصبح من الماضي وتمهّد للدول المضيفة بتوطين الفلسطينيين كأمر واقع لا بديل منه. وبديهي أن يكون وقع القرار على لبنان مدوياً. البلد الذي يرزح تحت عبء أزمات اقتصادية ومعيشية متتالية كيف له أن يتحمل أعباء إضافية لاستمراره في إستضافة اللاجئين الفلسطينيين ناهيك عن أعداد النازحين السوريين التي لم يعد بالإمكان احصاؤها. بفعل قرار «الأونروا» وأبعاده المتشعبه، وبفعل النزوح السوري المتواصل، فإنّ لبنان معرّض لتغيير ديموغرافي كبير خاصة في ظل الهجرة الكبيرة لأبنائه من الوطن الأم، فهل المطلوب أن يكون لبنان وطناً بديلاً لكل هؤلاء؟ وماذا لو فشلت المساعي لثني الدول المعنية عن قرارها أو استثناء لبنان من مفاعيله؟

 

‎يحذّر رئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني باسل حسن من تداعيات قرار وقف مساعدات المنظمة الأممية على لبنان. ويقول «تبلغ ميزانيتها السنوية في لبنان 200 مليون دولار، تستخدم لدفع رواتب 500 موظف حكومي، ولتمويل 61 مؤسسة تعليمية تستقبل 37 ألف طالب وطالبة ولتشغيل 155 مستوصفاً في المخيمات، بالإضافة إلى بعض المستشفيات. ومن دون توافر المبالغ المطلوبة فإنّ جميع هذه المؤسسات ستغلق أبوابها وسيجد موظفوها أنفسهم بلا عمل أو مورد رزق».

 

‎يؤكد المعنيون بالملف أنّ لوقف التمويل نتائج اجتماعية قد تكون كارثية بحيث تتحول المخيمات إلى بؤر فقر يضطر اللاجئ الفلسطيني إلى طلب مورد عيش بأساليب مختلفة وتصبح التنظيمات الأصولية أو تلك المسلحة ملاذه الوحيد لتأمين سبل عيشه ما يضاعف حضورها في المخيمات، ناهيك عن المواجهات التي يمكن أن تندلع بين الفلسطينيين والقوى الأمنية اللبنانية إذا خرج الفلسطينيون في تحركات احتجاجية أو ما شابه. ويكشف حسن عن اجتماعات عقدت في الآونة الأخيرة بين ممثلين عن المنظمات الفلسطينية والحكومة اللبنانية للبحث في سبل تطويق مفاعيل القرار على أرض الواقع واتخاذ إجراءات تمنع الاصطدام بين الجيش والفلسطينيين، كما أجرت الدولة سلسلة اتصالات لحض الدول المعنية على استثناء لبنان من القرار، وهناك اتجاه وفق ما يشير حسن إلى تطبيق القرار على غزة واستثناء الدول المضيفة.

 

‎يتخوف حسن من «أن تجد الحكومة نفسها عاجزة عن مواجهة الأزمة التي سيتسبب بها قرار «الأونروا»، خصوصاً في الشق المتعلق بالتبعات الاقتصادية والاجتماعية»، لكنه لا يجد مبرراً ليكون القرار سبباً للتوطين «لأنّ الفلسطيني ذاته يرفض الإندماج في المجتمع اللبناني ولا يزال مصراً على التمسك بحقه في العودة إلى فلسطين وحلمه لا يزال قائماً»، ويأمل أن تنجح المساعي المبذولة فيحصر تطبيق القرار بغزة ويستثنى لبنان من مفاعيله.

 

‎تتعدد القراءات لوقف «الأونروا» خدماتها، ويبقى الهدف الحقيقي الذي تسعى إليه الدول الفاعلة، الحفاظ على توازنات عددية هشّة على أرض فلسطين والضغط لتوطين الفلسطنييين خارجها بقوتي المال والسياسة. وطالما أنّ تبنّي فكرة السلام أو التسويات، ستكون قائمة على ضرب حق من حقوق الفلسطينيين، وهو حق العودة، فمعناه تسوية مبنية على ظلم سيولد نقمة وسيؤسس لحروب جديدة، وسيكون لبنان أمام معضلة جديدة تهدّد أمنه الإجتماعي.