IMLebanon

«يبخَّر النحلة»

 

في بلد مثل لبنان إنّ للصراع على التعيينات خلفيات وأسباباً موجبة: عند المواطن الوظيفة في الدولة تعني الاستقرار والطمأنينة الى المستقبل و … الراحة. إضافة الى ما يرى الكثيرون أنه «البراني».

 

و»البراني» يا طويل العمر هو المدخول الذي يأتي من «برا» أي المدخول، غير الشرعي الذي يعرفونه بإسم آخر هو «شوفة خاطر». وبالتالي هو إضافة «حرزانة» على المرتب.

 

وهذه حال مزمنة منذ أيام  «العسملي» وكان أجدادنا والآباء يخبروننا أن الموظف، أيام  العثمانيين، كان يطلب من صاحب المعاملة أن «يبخّر النحلة» وإلا فإن معاملته لن «تمشي». والنحّالون يعرفون آلية تبخير  قفير النحل قبل «قطف» شهده. وبات التعبير دليلاً على الرشوة التي استمرت بأوجهٍ عدة، بما فيها أن الموظف يبقي على «جارور» المكتب مفتوحاً، فيتقدم صاحب المعاملة ويدسّ فيه ما تيسّر من عملة!

 

إلاّ أنّ الوظيفة (في المواقع الكبرى، أي في الفئتين الأولى والثانية وما يوازيهما) كان لها مردود مالي مهمّ على «المعلمين». والمقصود بهم ليس الأساتذة المدرسين، إنما السياسيون الذين عيّنوا هذا الموظف في هذه الوظيفة الكبرى، وذاك في تلك الخ…

 

 

وذات زمن عرفتُ مسؤولين كانوا يحصلون على كامل «النفقات السريّة» التي توضع بتصرف مديرين عامين وسواهم فيوقع المدير العام على النفقة بمعنى أنه قد تسلمها، ثم تتحول آلياً الى المسؤول الذي كان وراء تعيينه.

 

وعرفت موظفين كباراً كانت توضع في تصرّفهم كميات كبيرة من المحروقات، فكان «المعلم» يحصل على القسم الأكبر منها، ويصل الرقم الى مئة ومئتي «تنكة» بنزين شهرياً. بينما صفائح  المحروقات هذه هي مقررة لتوزع على ما يكون مردوده حسن سير العمل.

 

أنا لا أود أن أضرب تشبيهاً بين هذه الروايات التي عرفتها وما يدور من صراع على التعيينات في هذه الأيام. ولكن يمكنني التأكيد على أنّ هذا الصراع المحموم الذي «فَخَتَ الدفوف وفرّق العشاق» بين غير طرفٍ وطرف، ليس مجانياً أو لوجه الحق، إنما هو لتحقيق منافع قد لا تكون كلها ماديّة (مالية) وقد لا تكون كذلك أصلاً إلاّ أنّها وبالضرورة ذات مردود كبير سياسي وانتخابي وفي بسط النفوذ.

 

ونود أن نقول للمتصارعين جميعاً: إننا لا نريد أن نحرمكم نفوذاً هنا ومردوداً انتخابياً هناك… ولكننا نستحلفكم بالله أن  تأتونا بموظفين أكفاء وما أكثرهم في هذا البلد، وما أقلهم عند أصحاب الشأن الذين يقدمون الولاء على الكفاءة.