IMLebanon

فنزويلا بطريق صعدة

لبنان بلاد هجرة ومهاجرين. من أيام فينيقيا وتجارة الأرجوان إلى الأيام التي وصلنا إليها. والهجرات مراحل نحن في أسوأها وأكثرها ذلاً. وأقصد ذل الوطن لا ذل مراكب الغرق. وليس هناك مكان في الأرض لم يهاجر لبناني إليه من أفريقيا إلى بلاد الإسكيمو. ومن المسيسيبي إلى الأمازون. وتنوعت أسباب الهجرة مثل أسباب الموت. ولكن ثمة ظاهرة غريبة. يبقى اللبناني في الجمهورية التي ودعت الجنرال عون ولا يهاجر إلى دول الممانعة. طالبو الهجرات بعشرات الآلاف وما من أحد يريد تأشيرة إلى إيران أو فنزويلا أو صعدة. حتى الدول الخيالية في أميركا اللاتينية هاجر إليها اللبنانيون هرباً من جوع أو فاقة أو مافيا سياسية. أو أنهم لعبوا فيها أدواراً سياسية مشرفة كما في روايات «زميلنا» الجديد ماريو فارغاس يوسا.
في الماضي، سافر الألوف إلى فنزويلا عندما ظهر فيها النفط، والآن يهجرها الجائعون سيراً على الأقدام مع أنها لا تزال تنام على أكبر احتياطي نفطي في العالم، مثل العراق، أو ليبيا، أو الجزائر. هذا سر. السر الأكبر الذي تنام عليه دول الممانعة: لماذا لا يهاجر أحد إلى روسيا؟ ولماذا لا يقرب أحد بيلاروسيا، فيما يُغرقون اليونان وإيطاليا وشواطئ كاليه الفرنسية.
مهلاً، كان يجب أن أحذر من بداية المقال، أنني لا أتحدث من الناحية السياسية، فالإبداع السياسي في ديار الممانعة رهيب. أمن. طمأنينة. فرح. بهجة ثورية… إلى آخره. المشكلة في الإبداع الاقتصادي. مثل علامات شكيب (ابن زياد الرحباني) المدرسية: صفر. 2 تحت الصفر. واحد على عشرة تحت الصفر.
هل يُعقل أن تتشابه كل هذه النماذج؟ ألا يمكن أن تصدف بينها صين واحدة: علم آخر، علم أحمر ومطرقة (شاكوش). ورولز رويس وليموزين مثل الذي نقل الرئيس عون من بعبدا إلى الرابية: من قصر الشعب العظيم إلى قصر الشعب الذي منه 80 في المائة تحت خط الفقر.
هذا جزء من تأثير -أو آثار- انتقال لبنان مع الجنرال عون من الاقتصاد الحر إلى الاقتصاد الممانع، ودرّته، أو غرّته ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهو الاتفاق الذي وصفه الجنرال بأنه هبة من الله، في حين أن الذي اتصل بالجنرال مهنئاً كان المستر بايدن (جو) رئيس الولايات المتحدة الأميركية (شمالاً). لماذا تجريد المستر بايدن والمستر هوكستاين والمستر هوف، من حقهم فيما بذلوه طوال عشر سنين من زيارات مكوكية بين لبنان وإسرائيل؟
بعد أسابيع من فرج الحدود البحرية أعلنت السفارة الأميركية نبأ ساراً: كل من يرغب في تأشيرة تجارية أو سياحية فليتقدم. ولكن هناك مشكلة أساسية (أو أساسة كما يصر النحاة)، وهي أن ما من لبناني يريد تأشيرة سياحية أو تجارية. إما تأشيرة ذهاب بلا عودة وإما لا شيء. وقد علم مؤخراً أن الشقيقة الصومال فتحت باب الهجرة إلى اللبنانيين. ولكن أيضاً مؤقتة.