IMLebanon

الإستعصاء في “مار مخايل”… والمسعى فرنسي لكن القطبة أميركية!

 

لا مؤشرات جدية على خرق رئاسي قريب قد ينهي حالة الشغور في الرئاسة الأولى. وقد بيّنت جلسة 14 حزيران الأخيرة، أنّ الاستعصاء الداخلي والذي تبلور من خلال اصطفافين لكل منهما مرشح، يفترض أن يقود إلى بحث عن تسوية خارجية، لا تزال غير واضحة المعالم وغير ناضجة، لوضع حدّ لمهزلة الجلسات الانتخابية التي صارت «دزينة» بِعددها.

 

بهذا المعنى، تُفهم الترجيحات التي تقول إن لا رئاسة في وقت قريب، وأنّ الصيف الموعود بسُياحه ومغتربيه، لن يحمل معه بشائر سياسية قد تفضي إلى إعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية بدءاً برئاستها الأولى. وقد بات الاستحقاق على قارعة الانتظار. انتظار حراك اقليمي يخلط أوراق التموضعات الداخلية التي فرزت القوى السياسية إلى محورين اثنين، بين داعم لترشيح «تيار المردة» سليمان فرنجيه، وأبرزهم الثنائي الشيعي، وبين رافض له ويدفع بترشيح الوزير السابق جهاد أزعور إلى الأمام… وعلى جانبهما أقلية تقف مترقبة «لا حول لها ولا قوة».

 

ولهذا، من المستبعد أن تحمل زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي، وزير الخارجية السابق جان- ايف لودريان إلى بيروت، أي جديد، بمعنى أن يصل الدبلوماسي العتيق متأبطاً مبادرة جديدة شاملة لا تنتظر إلّا ترويجها وإقناع القوى اللبنانية بها.

 

وفق المتابعين، فإنّ جولة الموفد الفرنسي هي ذات طابع استطلاعي، لكن في جعبته خلاصة ما جرى الاتفاق عليه بين رئيس بلاده ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهنا يؤكد المتحمسون لفرنجية أنّ ما وصل من باريس خلال الأيام الأخيرة عن فحوى لقاء المسؤولين، يصب في خانة اتفاقهما على العمل المشترك لمعالجة الملف الرئاسي اللبناني، من دون أن تتبلور مقاربة هذه المعالجة أو آلياتها، مع العلم أنّهما لم يتطرقا بشكل تفصيلي إلى الملف اللبناني.

 

ويضيفون أنّ العشاء التكريمي الذي سيقيمه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على شرف وزير الخارجية الفرنسي السابق والذي يفترض أن يحضره السفير الايراني في بيروت، يأتي في سياق هذا التنسيق الثنائي، من باب تأكيد الدولتين حرصهما على توحيد جهودهما في انجاز الملف اللبناني… ولو أنّ التنسيق لا يزال يفتقد إلى حلقة مهمة، وهي الحلقة الأميركية.

 

يقرّ المتحمسون لرئيس «تيار المردة» أنّ مشهدية 14 حزيران أظهرت بما لا يقبل الشكّ أنّ ثمة اصطفافين دوليين، الأول سعودي- فرنسي والثاني أميركي- قطري، حيث تبيّن أنّ قطر لعبت دوراً تنفيذياً مهماً عشية تلك الجلسة من خلال التواصل المباشر مع بعض النواب لدفعهم باتجاه التصويت لمصلحة أزعور، أو أقله الوقوف على الحياد، فيما اكتفى الاصطفاف الأول بالرصد والترقّب.

 

ولكن ما لا يمكن تجاهله أيضاً، هو أنّ التعويل على الدور الفرنسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، فيه بعض المبالغة حتى لو قررت السعودية الدخول في كنف الشراكة معها، ذلك لأنّ قرار الحلّ والربط في هذا الملف ليس في يدّ الإدارة الفرنسية حتى لو مُنحت هذا التكليف أو التوكيل من جانب الإدارة الأميركية التي تبقى صاحبة القرار الفعلي، أو الشريكة الفعلية من الجانب الغربي. ولهذا، اذا لم تنجح باريس بتحييد واشنطن أو بإقناعها بمبادرتها، فقد لا تصل المحاولة الفرنسية إلى برّ الأمان. والأرجح هذا ما حصل خلال الأسابيع القليلة الماضية.

 

في مطلق الأحوال، لا بدّ من انتظار وصول لودريان إلى بيروت للاستفسار عما في جعبته بنتيجة الاتفاق الفرنسي- السعودي الجديد، لكن الأكيد أنّ أكثر من معطى محلي لا يزال يتحكم بالمشهد الانتخابي:

 

– أولاً، لا تخلّي من جانب الثنائي الشيعي عن ترشيح فرنجية. أقله في المدى المنظور. ولو أنّ هذا الفريق يقرّ أنّ الإسراع في ترشيحه، خطأ ارتكِب بحقه، ساهم في تعرّضه للنيران الصديقة، وتحديداً من أبناء بيئته المسيحية، وكان يفترض بفرنجية أن يقود بنفسه معركة ترشيحه وإعلانه لكي يكون الثنائي بمثابة داعم لا مبادر.

 

– ثانياً، لا نيّة لرئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل في العودة إلى الوراء، للسير من جديد في ترشيح فرنجية. يعترف المتحمسون للأخير، أنّ «حزب الله» أخطأ في حساباته حين ظنّ أنّ باسيل سيركب عاجلاً أم آجلاً، ومهما دار به الزمن، قطار ترشيح رئيس «تيار المردة»، وقد بنى جزءاً من استراتيجية دعمه للأخير على قاعدة ضمان أصوات «تكتل لبنان القوي». واذ بباسيل يطيح بها من دون أن يرفّ له جفن.

 

لا ينكر هؤلاء أنّ اعتبارات رئيس «التيار الوطنيّ الحر» وجودية بمعنى أنه يخوض معركة حياة أو موت، ولذا رفض الخوض في تفاصيل الضمانات التي كان «الحزب» يستعد لوضعها أمامه للتخفيف من هواجسه المستقبلية في حال قبل أن يكون شريكاً لعهد فرنجية، وفضّل المواجهة على التسوية. هو عملياً يسعى إلى التقليل من خسائر ستلحق به بكل الأحوال، مهما كانت هوية رئيس الجمهورية، ما اضطره إلى اللجوء إلى الخصوم لوقف اندفاعة حلفائه، ولو أنّ بعض النواب العونيين يخالفونه الرأي لجهة اعتبارهم أنّه قرر في اللحظة الخاطئة، السباحة عكس تيار التفاهمات الاقليمية.

 

– ثالثاً، لا يزال باسيل مقتنعاً أنّ خيار المرشح الثالث ممكن بالتفاهم مع «حزب الله». وهو أعاد تنشيط قنوات تواصله مع «الحزب» عشية جلسة 14 حزيران وما بعدها على قاعدة الحصول من «الحزب» على وعد بالتخلي عن فرنجية. ولكن يبدو أنّ جسور الثقة مع «الحزب» باتت مقطوعة كلياً، أقله هكذا يعتقد بعض المطلعين على موقف «حزب الله»، مؤكدين أنّ حسابات باسيل باستعادة «التفاهم» من جديد بعد شطب ترشيح فرنجية، توازي رهان «الحزب» على استعادة باسيل إلى تسوية مع فرنجية!

 

بالنتيجة، يستبعد المطلعون، نجاح جبران باسيل في الجلوس من جديد الى طاولة «حزب الله» للتفاوض على اسم ثالث، فيما لو بقيت حالة الاستعصاء الداخلية مسيطرة. يقولون، فيما لو قرر «الحزب» فعلها، انطلاقاً من رغبته في الانخراط في تسوية تأتي برئيس وتنهي الشغور، فلن يكون شريكه لبنانياً، أو بالأحرى جبران باسيل. والأرجح أنّه سيبرم تلك التسوية مع فريق خارجي بعدما أحرق رئيس «التيار الوطني الحر» كل مراكبه مع «الحزب».