IMLebanon

جنبلاط لدياب: هذه نصيحتي… كي لا تحترق الطبخة

 

يوم 23 شباط الفائت، رُصِد وليد جنبلاط في أحد المطارات واضعاً كمامة على وجهه كإجراء وقائي من فيروس “كورونا”. في تلك الفترة، كان الفيروس لم يرتق بعد إلى مرتبة وباء، وفق التصنيف الحالي لمنظمة الصحة العالمية، ولم يكن عدّاد الإصابات في لبنان قد تجاوز عتبة الإصابة الأولى، فيما السلطات الإيطالية اكتشفت لتوّها أنّ بين سكانها 150 إصابة، أما الصين فقد تجاوزت حاجز الـ75 ألف إصابة.

 

ولذا لم تقابل اجراءات جنبلاط الذاتية بالكثير من الموضوعية، وثمة من اعتبر أنّ مخاوفه مبالغ فيها وقد تخطت المعقول، لدرجة وصفه بالـpanic mode: كان الاعتقاد سائداً أنّ الفيروس قد يحتاج لسنوات قبل أن يطأ أرضنا، وبالتالي لا داعي للهلع!

 

لم ينتظر رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” كثيراً ليوجّه أول تنبيهاته. بعد أقل من خمسة أيام، تجاوز “طقوس التطبيل” لانطلاق أعمال الحفر الاستكشافي عن الغاز اللبناني ليقول “كل شيء أصبح ثانوياً بوجود كورونا الذي يجتاح الحدود والقارات”، ودعا لتوحّد “الجهود الوقائية بالحد الأقصى وفوق كل اعتبار، في انتظار إمكانية وصول العلماء إلى اللقاح المناسب، لكن يبدو أنّ الأمر وفق المعطيات ليس بقريب”.

 

في إطلالته الاعلامية الأخيرة، فرَد جنبلاط للوباء ومتطلباته اللوجستية والطبية، مساحة لا بأس بها من اهتماماته. بدا الرجل مهجوساً بما تحمله الأيام المقبلة من أحداث مأسوية بفعل اجتياح الفيروس وتمدده على كامل الخريطة اللبنانية. فعلاً، تركيز الرجل في مكان واحد: كيفية محاصرة هذه الجائحة.

 

في المختارة وكليمنصو، إجراءات وقائية كتلك المعتمدة في المقار السياسية الأخرى. الإبقاء فقط على المواعيد الضرورية. وقف الاستقبالات الشعبية الأسبوعية. الاجتماعات الحزبية تستعين بتقنيات التواصل عن بُعد. وتنقلات الحدّ الأدنى، واذا ما حصلت، فتكون طبعاً بـ”حماية” الكمامات. وقد شوهد جنبلاط بالأمس في سوق بقعاتا الشوف الرئيسي، حيث اطلع من بعض أصحاب التعاونيات والسوبر ماركت على الاجراءات الوقائية في مؤسساتهم.

 

ولذا خصص الشأن الصحي بسلّة لا بأس بها من مواقفه لدرجة المطالبة مجدداً بإعلان حال الطوارئ، رغم أنّ “صديقه” رئيس مجلس النواب نبيه بري تراجع عن ضغطه في هذا الاتجاه بعدما أقنعه رئيس الحكومة حسان دياب خلال لقائهما الأخير، بأنّ حالة التعبئة العامة يمكن أن تكون على درجة عالية من التشدد، قد تساوي في نتائجها حال الطوارئ التي قد تكون مترتباتها غير مساعدة، خصوصاً لجهة التوقيفات التي قد يضطر الجيش إلى فرضها بحق المخالفين، فيما الأصوات ترتفع لإخلاء سبيل الموقوفين راهناً. كما أنّ حالة الطوارئ تفرض حظر تجول والسماح للمواطنين بتسوق المواد الاستهلاكية – الغذائية في ساعات محددة ما يعني حصول حالات ازدحام. وهذا ما تحاول الحكومة تجنّبه.

 

فلماذا الاصرار على “الطوارئ” خصوصاً وأنّ حساسية الزعيم الدرزي “تاريخية” من واقع اسناد السلطة لأصحاب “البزات المرقطة”؟

 

يقول المقربون من جنبلاط إنّ تفشي الوباء يشكل حالة استثنائية لا بدّ من مواجهتها بإجراءات استثنائية. التعريف القانوني لا يقدم أو يؤخر، لأن الهدف هو التشدد في القرارات وعدم السماح بتفلّت الأمر وبرصد مشاهد شاذة تعكس محاولات بعض البلديات لفرض أمن ذاتي، غير مرغوب فيه. وبالتالي، على الحكومة الوصول بقراراتها إلى الحدّ الأقصى الممكن للتصدي للفيروس.

 

وبهذا المنحى يدعو الحكومة إلى الاخذ في الاعتبار أكثر السيناريوات سوداوية، والتعامل معها على هذا الأساس، خصوصاً ما يتصل بإعادة اللبنانيين الراغبين بالعودة، ولو أنّ بعض الأرقام تتحدث عن رغبة حوالى 50 ألف لبناني بالعودة وفق الأرقام التي تجمعت في السراي الحكومي. يشير المقربون إلى أنّ انسانية الوضع تحتّم الانفتاح على محاولات اعادة هؤلاء والاستعداد من خلال تجهيز أماكن للحجر الالزامي قبل السماح لهم بالتوجه إلى منازلهم.

 

إلّا أنّ متابعته “الكورونية” لم تحجب رصده للأداء الحكومي في الشأن الاقتصادي، حيث يبدو أنّ جنبلاط يخشى على رئيس الحكومة من كثرة المحيطين به من مستشارين. ويلفت المقربون منه إلى أنّ ما تجنّب قوله بشكل واضح ومباشر هو تحذيره رئيس الحكومة من كثرة الطباخين كي لا تحترق الطبخة، لأنّ عليه الاستفادة من الوقت لا تضييعه أكثر، والانطلاق في العمل التنفيذي والتقليل من النظري.

 

ثمة الكثير من الملاحظات التي يسجلها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” على الحكومة، والتي يعتبرها بعض المواكبين لرئيس الحكومة، أنّها بمثابة تصويب استباقي لملف التعيينات المالية التي يريد جنبلاط أن يكون شريكاً في طبختها. ولكن هذا لا يمنع أنّ للزعيم الدرزي اعتراضاته ومنها يتصل بتخصيص الهيئة العليا للاغاثة بمبلغ 75 مليار ليرة لتنفيذ الخطة الاجتماعية التي تعمل عليها وزارة الشؤون الاجتماعية، ولو أنّه دعا إلى مواكبة وتطوير مشروع الأسر الأشد فقراً الموجود في وزارة الشؤون لمساعدة العائلات المعدومة. لكن سؤاله: ما هي آلية صرف المبلغ؟ من سيراقب الهيئة؟ ومن سيدقق في صحة لوائح المستفيدين؟

 

لكن الخلل الأكبر بالنسبة لجنبلاط لا يزال في ملف الكهرباء. لا يعير رئيس “الحزب التقدمي” اهتماماً لخطوة الحكومة في السماح لوزير الطاقة ريمون غجر بالحوار مع الشركات العالمية الراغبة في انشاء معامل طاقة، لأنّ الأهم بالنسبة اليه وفق المقربين منه، هو: أين هي المناقصات الشفافة؟ أين هي دائرة المناقصات من تلزيم المعامل؟