IMLebanon

لا خوفَ من مقال

 

ليس من حق وليد جنبلاط أن يقلق على شخصه وعائلته من مقال عنى غيره بالتأكيد، لكن من حقه أن يضرب الأخماس بالأسداس أسفاً على انحلال الدولة وانتشار الفوضى وروح الثأر لدى العشائريين والحضريين.

 

سيبقى نشر “الأوريان – لوجور” – الى جانب مقال ميديا عازوري – صورةَ فتيات يطالبن بقتل مرتكبي جريمة 4 آب مثار جدل في الأخلاقيات الصحافية التي تعودنا أنها تحرّم الدعوة الى العنف، وتحاول “تدوير الزوايا” ولبس قفازات حتى ولو كان الحديث يدور على سَفَلة ومصاصي دماء.

 

“رسالة مفتوحة الى المجرمين اللبنانيين” لم تسمّ أحداً ولا كُتبت برصاص لتثير استنكار سياسي من هنا او ناشط “حساس” من هناك، بل بمداد القلب وحرقة المواطن وتألمه مع كل من فقد حبيباً وأخاً وطفلة أو صديقاً غالياً، ومع كل جريح يحمل على جسده وشم “منظومة النيترات” التي لم تكتف بالفساد والإفساد بل تجاوزتهما “الى القصد الاحتمالي للقتل” على أقل تقدير، والى الاستخفاف بالقوانين والاستهانة بحياة الناس بكل تأكيد.

 

ولنكن صريحين، فمضمون الرسالة بالإجمال هو صوت كل لبناني حر سواء “بصق في وجوههم” كما ذكرت الكاتبة أم قال “… الدنيي عم تشتي”، وسواء اعتبرتْهم “أوغاداً” أم وصفناهم بـ”الوقحين”. لكن، أيبقى المضمر في التعبير سابقاً على الصريح حين تكون الجريمة بحجم تدمير مدينة؟ وهل يجوز أمام سيل الدماء ومشاهد الشوارع الممتلئة بالركام أن نتابع أناقة الوصف ومهارة التوريات ونتبارى في انتقاء الألفاظ، مستدرجين من قاموس ذاكرتنا ما قرأناه وتعلمناه من أوصاف اللياقة ولطائف التعبير، وهاجسين بالمستوى اللغوي الرفيع والترفع عن واجب قول الحقيقة كما هي بلا لف ودوران؟

 

ولنقل الأشياء “على بساط أحمدي”: سمعنا أهل الضحايا يهددون المدعى عليهم الفارين من وجه القاضي بيطار عبر “عريضة العار” ثم عبر حيلة اقتراحات قوانين تضييع العدالة، وشاهدناهم غاضبين ثائرين أمام منزل وزير الداخلية، ولم يقصّر ناشطون على وسائل التواصل في الدعوة الى الانتقام. ومن غير تقييم هذه الدعوات ولا تبريرها، فإنها نتيجة مباشرة لالتفاف السلطة على التحقيق والتباطؤ في تحديد المشتبه فيهم، ومرور عام من غير أن تبرد قلوب أهالي الضحايا وسائر اللبنانيين بيقين المحاسبة وتحقيق العدالة.

 

أخطر من الدعوات الغاضبة الى قتل المتسبّبين بانفجار المرفأ، الصادرة عمَّن لا يجيدون القتل ولا يملكون عصابة مسلحة ولا تنظيماً سرياً، هو الفلتان الشامل وغياب هيبة الدولة واقتصار ممارستها على قمع الثائرين. بات السلب المسلح على طريق القاع عادياً، واغتيال الأب وابنه في طرابلس مسألة لا تحتاج تدقيقاً، والأخذ بالثأر في عرس الدم في الجيّة إحقاقا للحق وتطبيقاً لعدالة “العين بالعين”، بعدما نفد صبر عشائر خلدة وفضَّلت المقامرة بالفتنة على انتظار الأجهزة الأمنية المهيضة الجناح والقضاء المثقل بالتخاذل، بفعل تحالف المافيا والسلطة وانشغال من تولوا الأمر وقوى الأمر الواقع بالسرقة والتهريب ونهب الودائع والمقدّرات.

 

واجب وليد جنبلاط وكلّ الناس أن يقلقوا من الفلتان وانتشار السلاح قبل الاستياء من صورة أو مقال. فأخلاقيات الصحافة قادرة على معالجة الثغرات، لكن مَن يستطيع اقناع العصابة بالرضوخ للقضاء ورفع الحصانات والكف عن الإجرام في وضح النهار؟