IMLebanon

مؤتمر وارسو يُكرِّس التوطين

 

مؤتمر وارسو الذي روِّجت له الولايات المتحدة الأميركية بأنه سيكون محطة أساسية لتطويق إيران اكثر، جاء باهتاً بنتائجه حيث لم يتمّ إصدار بيان ختامي مشترَك في نهاية أعماله كما تفترض أصول المؤتمرات. وردّ البعض السبب الى التباين الحاصل حول طريقة التعاطي مع إيران بين الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الأساسية.

 

لكنّ أوساطاً ديبلوماسية تعتقد أنّ الهدف الفعلي لمؤتمر وارسو لم يكن رفع مستوى الضغط على إيران بمقدار ما كان إخراج العلاقات الاسرائيلية ـ العربية من السرّ الى العلن، وانّ المؤتمر بهذا المعنى كان ناجحاً.

 

فلقد تصرّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوعلى أنه المنتصر الأساسي في هذا المؤتمر، وهو ما اعطاه نقاطاً ثمينة في معركته الانتخابية.

 

ولا شك في انّ واشنطن كانت تدرك سلفاً المكاسب الانتخابية الهائلة التي سيحصدها نتنياهو، وأنّ الادارة الاميركية أرادت مساعدته لضمان فوزه، وهو ما يدفع الى الاستنتاج أنّ نتنياهو، وفي المقابل، لا بدّ أنه أجرى تفاهمات كاملة مع البيت الابيض حيال مرحلة ما بعد فوزه تضمن تمرير «صفقة القرن» والتي يعوّل عليها دونالد ترامب لاستثمارها في حملته الانتخابية.

 

لذلك مثلاً، اصطحب نتنياهو معه فريقاً ضخماً من الصحافيين الاسرائيليين وسرّب محادثات وزراء خارجية عرب حيال إيران واوضاع الشرق الاوسط.

 

في المقابل كان صهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنر يتنقل بين الوفود العربية لإطلاعها على التوقيت الملائم للإعلان عن «صفقة القرن»، والذي بات معلوماً انه سيكون بعد انتهاء الانتخابات الاسرائيلية وقبل نهاية نيسان المقبل. ولذلك قال ترامب إنّ شروط الكشف عن خطته باتت مكتملة.

 

وخلال العام الفائت زار نتنياهو سرّاً أربع دول عربية ليست لها علاقات رسمية مع إسرائيل، على ما كشفت القناة الثانية الإسرائيلية.

 

ما يعني أنّ المقصود دول غير مصر والأردن وأيضاً غير سلطنة عمان.

 

ولكن بعد مؤتمر وارسو ستصبح هذه الزيارات قابلة للغعلان عنها، تماماً كما حصل مع زيارة نتنياهو الى سلطنة عمان.

 

وفي المناسبة كان لافتاً ما قاله وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي لقناة DW الالمانية من أنّ اسرائيل هي دولة من دول الشرق الأوسط. وفي حين قال إنّ بلاده مستمرة في دعم الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل، أشار الى أنّ علاقة السلطنة مع إيران مستمرة على رغم التقارب الحاصل مع إسرائيل.

 

وليس سرّاً أنّ الادارة الاميركية تعلّق آمالاً على الديبلوماسية العمانية التي كانت نجحت سابقاً في التمهيد للاتفاق النووي بين واشنطن وطهران من خلال وساطة سرّية وموثوقة، على أن تتولّى الآن دوراً مشابهاً له علاقة بإعادة فتح الابواب الموصدة، وتأمين ظهر «صفقة القرن».

 

الاندفاع الاميركي الى تعبيد الطريق جيداً امام الكشف عن «صفقة القرن» يتزامن بدوره مع الترتيبات الجارية في سوريا على وقع معارك القضاء على «داعش» والتسويات المطروحة لإدلب.

 

وتبدو واشنطن متفائلة استناداً ايضاً الى ما تعتبره تبدّلاً يحصل على مستوى المزاج العام في الشرق الأوسط. ففي استطلاعاتٍ للرأي اجراها «معهد واشنطن للدراسات» تبيّن أنّ اولوية النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي حاز على غالبية بسيطة في مصر والأردن ولبنان، في مقابل أولوية مواجهة إيران بالنسبة الى دول الخليج.

 

كذلك فإنّ غالبية الثلثين في البحرين ومصر والأردن ولبنان والكويت وقطر والسعودية والإمارات تؤيّد «حلّ الدولتين»، في مقابل اعتبار 72% من الفلسطينيين أنّ «صفقة القرن» ستُنهي حلم إقامة الدولة الفلسطينية.

 

وحول الانتخابات الإسرائيلية بدا أنّ 62% من اليهود الإسرائيليين يؤيّدون اليمين السياسي. وقد يكون هذا السبب هو الذي دفع إدارة ترامب الى إجراء صفقة مع نتنياهو حول موافقته على «صفقة القرن» في مقابل «هدايا» اميركية انتخابية له، بدلاً من الرهان على مرشح من اليسار سيكون من باب المخاطرة الرهان عليه.

 

فحسب الاستطلاع نفسه بدا الإسرائيليون مسرورين لسياسة نتنياهو حيث ارتفعت نسبة مَن يعتقدون أنّ الأوضاع جيدة من 10% قبل وصول نتنياهو الى الحكم الى 53% الآن.

 

صحيح أنّ مؤتمر وارسو منح لنتنياهو اوراقاً قوية يستطيع استخدامها في مواجهة ملفات الفساد الجاري فتحُها قضائياً، وبالتالي تعبيد الطريق جيداً امام «صفقة القرن» بعد نكسة أزمة جمال خاشقجي، إلّا أنّ ثمّة ملاحظتين أساسيتين لا بدّ من التوقف عندهما:

 

ـ أولاً، وخلافاً للصورة المتشنّجة السائدة إلّا أنّ المؤسسات الاميركية التي تتولّى صنع القرار الأميركي ما تزال متمسّكة باستعادة علاقاتها وتفاهماتها مع نظام الملالي في إيران. وأنّ رجال إدارة ترامب ومن خلال قرار الانسحاب من الاتفاق النووي أرادوا الدخول الى اتفاق أفضل وأرباح أكثر من خلال التوصل الى اتفاق سياسي كامل حول المنطقة ورسم الحدود والخطوط الحمر للمصالح الأميركية، لا فتحَ جبهات حرب مع إيران والعمل على إسقاط النظام الحاكم.

 

وبالتالي فإنّ الضغوط الأميركية الحاصلة والتي تبدو قاسية، محكومة بسقف معيّن وهو عدم استهداف قلب النظام الإيراني «العنيد» على ما يجري وصفه.

 

وبالتالي فإنّ الرئيس الأميركي ما يزال يسعى وفق أسلوبه الخاص الى «تطويع» إيران، وأنّ لسلطنة عُمان، كما لروسيا، أدواراً مختلفة في هذا السياق.

 

وإنّ هذا أيضاً ما يفسّر عدمَ انجراف الأوروبيين وراء التصعيد الاميركي خشية خسارة مواقعهم داخل الاسواق الايرانية مستقبلاً. وتبدو إحدى ساحات المهادنة بين واشنطن وطهران في لبنان من خلال الحكومة الجديدة وأسرارها ورموزها.

 

ـ ثانياً، وهو الأخطر على لبنان ويتعلّق بتوطين فلسطينيي الشتات كما يتضمّن مشروع «صفقة القرن»، وليس من باب المصادفة مثلاً الشروع في إعمار مخيم نهر البارد بتمويل أوروبي، من خلال إنشاء بيوت ومنازل من الباطون ما يعني أنها ثابتة وأبدية. مع الاشارة الى أنّ مساحة شاسعة من المخيم تمّ الانتهاء من إعمارها.

 

وفي المقابل لم نسمع شيئاً حيال طريقة مواجهة التوطين في البيان الوزاري للحكومة وبرنامج عملها الجدّي وليس الاستعراضي أو الإعلامي.