IMLebanon

ليس بالعقوبات تنهي واشنطن «حزب الله»

سقطت حكومة الرئيس حسان دياب بعكس رغبة «حزب الله»، الذي لم يكن يريد أي تغيير في الوضع في لبنان في هذه المرحلة، إذ إنّه يدرك أنّ أمامه شهوراً صعبة قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل. ولولا دخول الفرنسيين على خط الأزمة في لبنان، لكانت حكومة دياب ستصرّف الأعمال طويلاً من دون أي مسعى داخلي جدي لتأليف حكومة جديدة. فالعقوبات كان «الحزب» متحضّراً لها، وهي لن تحدث فارقاً كبيراً في ضلوعه في نزاعات المنطقة كجزء أساس من المحور الإيراني. وهو يَعي أنّ أي تغيير سيطاول وجوده ودوره وسلاحه مرتبط بوضع إيران وليس منفصلاً عنها.
راهن كثيرون في لبنان على المبادرة الفرنسية، أو أي تدخل خارجي في الأزمة اللبنانية، لجهة وضع ورقة «حزب الله» على الطاولة، والبحث جدياً في سلاحه ودوره في لبنان، انطلاقاً من اعتبار أنّ لسلاح الحزب دوراً أساساً في الفساد أو تغطيته وفي السيطرة على قرار الدولة، خصوصاً مع بروز هذا الحديث بقوة بعد انفجار المرفأ في 4 آب الماضي، وبعد حكم المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الذي دان عنصراً في «الحزب» في 18 آب، كذلك بعد فشل حكومة دياب التي اعتُبرت حكومة «الحزب»، إضافةً الى العقوبات والضغوطات الخارجية، ما يضيق الخناق على «الحزب».

 

لكنّ المبادرة الفرنسية حُصرت بمنع الانهيار في هذه المرحلة، من دون التطرق الى وجود «الحزب»، بل لقد شُمل الحزب المُمثّل بكتلة وازنة في مجلس النواب في المشاورات الحكومية وما قبلها. وما زال «الحزب» صامداً ويحاول إمرار الوقت الى حين تبيان هوية الرئيس الأميركي الجديد وإدارته، ثمّ إبرام اتفاق جديد بين واشنطن وطهران. وعلى رغم العقوبات الأميركية الأخيرة ما زال يتمسّك بحقوق ويضع الشروط في عملية تأليف الحكومة، فضلاً عن ترسيم الحدود البحرية من خلال المفاوضات التي كان يجريها رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الأميركيين.

 

بالنسبة الى «الولايات المتحدة الأميركية»، إنّ وضع «حزب الله» متعلق بالعلاقة الأميركية – الإيرانية، فالأميركيون ينظرون إليه على أنّه أحد أذرعة إيران في المنطقة مثل الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن وليس كفريق لبناني، بحسب ما توضح مصادر ديبلوماسية مطلعة على موقف واشنطن وسياستها. وتشير الى أنّ المشكلة التي يعتبر الأميركيون أنها تواجههم مع هذه الفصائل، هي الحرب مع ايران، لذلك يضغطون على ايران بقدر الإمكان لجلبها الى طاولة المفاوضات قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، لإجراء الـ»deal» الذي يعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه قد يكسبه نجاحاً في السياسة الخارجية يستثمره في صناديق الإقتراع. هذا بصرف النظر عن الإتفاق الذي قد يجريه ترامب مع الإيرانيين، إذ إنّ الأولوية بالنسبة إليه هي إثبات أنه قادر على جلب ايران الى الطاولة.

 

وإنّ الجزء الأكبر من تركيز الأميركيين لحلّ مشكلة «حزب الله» الذي تصنّفه واشنطن «منظمة إرهابية»، ليس على محاربته مباشرة، على رغم العقوبات التي يفرضونها عليه، بل بحل المشكلة مع ايران ومنعها من التدخل في شؤون الدول المجاورة من خلال الميليشيات، خصوصاً في مرحلة إبرام اتفاقيات الصلح والسلام بين إسرائيل والدول العربية، حسب المصادر نفسها. ومن هذا المنطلق هناك «قبّة باط» من الأميركيين للفرنسيين لإيجاد حل للأزمة في لبنان ومنع انهياره بالكامل ووصوله الى حالة من الفوضى.

 

وتوضح المصادر الديبلوماسية أنّ المهم بالنسبة الى الأميركيين هو تحجيم نفوذ ايران في المنطقة، وأنّ من الأسباب الرئيسة لانسحاب واشنطن من الإتفاق النووي مع طهران، أنّه لا يحتوي على الأساسيات، أي الصواريخ الايرانية وتدخّل ايران في شؤون دول الجوار. وهذا لا يمنع أن تفرض واشنطن عقوبات على الحوثيين و»حزب الله» ضمن المنظومة، لكن الحل النهائي للميليشيات يكون ضمن اتفاق مع ايران.

 

وعلى رغم أنّ وصول جو بايدن الى سدة الرئاسة يريح المحور الإيراني الى حد ما، إلّا أنّ الحزبين الديموقراطي والجمهوري متفقان على أنّ هذا الاتفاق النووي مع ايران يجب أن يتوسّع وأن يشمل الميليشيات المتحالفة مع ايران.

 

وبالتالي، إنّ التعويل على العقوبات وحدها لحلّ مشكلة «حزب الله» في لبنان خاطئ، هذا مع انعدام أي إمكانية لإنتاج حلّ لبناني داخلي في هذا الإطار، في ظلّ سياسة التسويات مع «الحزب» والتسليم بأنّ حلّ وضعه في لبنان هو في يد الخارج، خصوصاً أنّ «الحزب» يجاهر بانتمائه الى محور إقليمي يرفض الخروج منه أو أخذ موقف «الحياد» من نزاعات المنطقة.

 

هذه العقوبات بالتوازي مع المبادرة الفرنسية، إذا أثمرت، ستُقطف ثمارها في لجم الفساد وإعادة ترتيب الإدارة اللبنانية ووقف المسار الانحداري، في هذه المرحلة. وبالتالي، إنّ مسار تأليف الحكومة، والذي يديره فريق فرنسي بالتنسيق اليومي المباشر مع الرئيس المكلف مصطفى اديب، إن في السفارة الفرنسية في بيروت أو في باريس، لا يستهدف وجود «حزب الله» بل الإتيان بحكومة تنفّذ الشروط الإصلاحية مقابل مساعدات تحول دون موت لبنان، حسب المصادر إيّاها.

 

وبالتالي، إنّ اعتبار أنّ مسار تأليف الحكومة يستهدف «الحزب» غير دقيق، أو أنّ هناك هيمنة «سنية» في هذا المسار لكسر موقع «الشيعة»، من خلال عدم ضلوع أديب في مشاورات سياسية كما كانت تجري العادة سابقاً أو رضوخه لمطالب الأفرقاء السياسيين، إن على صعيد حجم الحقائب أو نوعها أو أسماء متولّيها، فقوة أديب في مواجهة الأفرقاء في التأليف مستمدة من قوة فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وليس من أي شعبية سنية أو حتى من رؤساء الحكومات السابقين، على رغم أهمية الغطاء السني له، حسب المصادر نفسها. وبالتالي، ومهما كان مسار التأليف أو شكل الحكومة، فإنّ «حزب الله» كذراع لإيران ليس هو المُستهدف منها، وقد يتأثر فقط إذا سُدّت الأبواب المفتوحة التي يستفيد منها منذ سنوات، أمّا ورقة دوره فيضعها الخارج بين الأوراق الإيرانية وليس اللبنانية.