IMLebanon

واشنطن لا تستسيغ تدخُّل نتنياهو

 

 

أدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لبنان الى قلب النزاع الدائر في الشرق الأوسط باتّهامه «حزب الله» من على منبر الأمم المتحدة بتخزين صواريخه في أماكن محدَّدة أحدها ملاصق لحرم مطار بيروت الدولي مستعيناً بصور وخرائط سعى لإبهار المستمعين اليه بها، وهو في حقيقة الأمر كان يهدف الى نقاط عدة أبرزها:

 

1 – التوجه الى الشارع الاسرائيلي والتأثير إيجاباً في معنوياته. فقبل ايام كان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله قد جزم بامتلاك الحزب الصواريخ الدقيقة التوجيه، معبّراً عن ذلك بعبارة «قُضي الأمر». ذلك أنه طوال السنوات الماضية جابت الطائرات الاسرائيلية الاجواء السورية ونفّذت مئات الغارات على قوافل تعتقد أنها كانت تحمل هذا النوع من الصواريخ الى «حزب الله» وهو ما تعتبره خطّاً أحمر في النزاع.

 

إعلان السيد نصرالله جاء بمثابة وقع الصاعقة على رؤوس المسؤولين الإسرائيليين والشارع الإسرائيلي، ومن خلال استعراضه السينمائي في نيويورك أراد نتنياهو الإيحاء بأنّ جيشه يُمسك بزمام الأمور تماماً في لبنان وهو يعرف الصغيرة والكبيرة، بما يناقض تأثير كلام السيد نصرالله. أضف الى ذلك أنّ نتنياهو يعاني من مشكلات داخلية جمّة بدءاً من الاتّهامات القضائية له ووصولاً الى تحالفاته السياسية.

 

2 – الإنخراط أكثر في الحرب النفسية ضد «حزب الله» وتأليب الناس عليه.

 

3 – رصد ردود «حزب الله» (وهو ما لم يحصل) وإخضاعها لتمحيضٍ وتحليلٍ عاليَين وأخذ الاستنتاجات الاستخبارية المطلوبة.

 

لكنّ اتّهامات نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة لم تنحصر فقط بالساحة اللبنانية و»حزب الله»، بل شملت إيران والمواقع السرّية النووية. لكنّ اللافت كان ردّ أحد المسؤولين الأميركيين الكبار من أنّ معلومات نتنياهو حول الموقع الإيراني غير صحيحة. وهو ما يعني عدم ترك نتنياهو يندفع كثيراً الى الأمام وترك دفّة قيادة مسار الضغط على إيران للبيت الأبيض من دون سواه. فهو يريد أن يُمسك بكل خيوط اللعبة ويتحكّم جيداً بمستوى الضغط وحدوده.

 

وقبل نتنياهو، وتحديداً في 27 حزيران الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن ترقية سفيره في طهران فرنسوا سينيمو الى رتبة ممثل شخصي له، على أن يباشر مهماته في 27 آب بعد انتهاء مهمته في طهران.

 

لكن بعد أيام معدودة سمحت باريس بعقد مؤتمر للمعارضة الإيرانية على أراضيها شارك فيه صديق الرئيس الأميركي دونالد ترامب رودي جولياني على رأس وفد متحدِّثاً عن أنّ إسقاط النظام الإيراني «بات ممكناً».

 

إنعقاد المؤتمر جاء مناقضاً لخطوة تعيين ممثل رئاسي فرنسي الى سوريا، ما يدفع الى الاستنتاج أيضاً بأنّ تدخّلاً أميركياً دفع بالرئيس الفرنسي الى التخفيف من خطواته الإيجابية تجاه حلفاء إيران والتروّي والإنتظام خلف خطة الضغط الأميركية في هذه المرحلة.

 

وباريس تلتزم الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في الشرق الاوسط، فهي على سبيل المثال تولّت قيادة الأكراد ومساعدتهم عسكرياً في استعادة كوباني، أو عين العرب، مطلع 2015. لكنها في الوقت نفسه سمحت لنفسها بموقف مختلف من موضوع الملف النووي الإيراني ما جعل شركات فرنسية معدودة لا تلتزم مقاطعة السوق الإيرانية ومنها شركة «رينو» العملاقة.

 

لكنّ الأهم هو المناخ الجديد في الكواليس الديبلوماسية والتي بدأت تتحدث همساً، ولكن بثقة، عن أنّ جلوس الاميركيين والايرانيين حول طاولة مفاوضات لم يعد بعيداً. ولا تبدو المعلومات في هذا الاطار متوافرة، لكنّ العارفين يتحدثون بثقة عن جولة مفاوضات قريبة، وهذا ربما ما دعا ترامب الى التغريد عبر «تويتر»: «ليست لديّ خطط للقاء الرئيس الايراني حسن روحاني الآن. ولكن قد يحدث ذلك في المستقبل».

 

لكنّ الاكيد أنّ المرحلة الحالية ما تزال مرحلة قاسية وتبادل رسائل الضغط بين واشنطن وطهران، عملية الأهواز الأمنية جاء في هذا الإطار، والرد الصاروخي الايراني على دير الزور في شرق الفرات حمل العنوان نفسه.

 

صحيح انّ ايران استهدفت مواقع للإرهابيين في البوكمال بستة صواريخ ومن خلال ضربات جوّية لسبع طائرات عسكرية من دون طيار، إلّا أنّ في طيات ما حصل رسائل للولايات المتحدة الاميركية تتضمّن تهديداً للقواعد الاميركية ضمن نطاق مدى الصواريخ التي أُطلقت والتي تبلغ حوالى 800 كلم، وكذلك للرياض التي تقع داخل هذا النطاق في حال اطلاق الصواريخ من جنوب ايران.

 

وفي اطار النقاش الدائر في واشنطن حول سبل الضغط على ايران كان وزير الدفاع جيمس ماتيس يحذّر دائماً في شأن الآثار المترتبة على القوات الاميركية في الشرق الاوسط مثل عمليات انتقام واستهداف من الممكن أن تقوم بها تنظيمات حليفة لإيران. وجاءت الرسالة الايرانية لتحاكي هذا القلق الاميركي.

 

وفي مطلق الحالات فإنّ كلام المبعوث الاميركي الخاص للشؤون السورية جيمس جيفري والذي ينفّذ سياسة ترامب يحمل كثيراً من المعاني، هو قال إنّ بلاده «لن تُجبر إيران على الانسحاب من سوريا بالقوة وإنّ الحديث يدور حول ضغط سياسي». واضاف: «لا يمكننا إجبار الإيرانيين على الانسحاب، ولا اعتقد انّ روسيا يمكنها ذلك ايضاً».

 

في المحصلة الظروف الصعبة ستستمرّ، لا بل ستزداد، وصولاً الى الانتخابات النصفية الاميركية، وقبلها بيومين الدفعة الثانية من العقوبات على إيران وكيف ستطاول قطاع توريد النفط الإيراني، وبعد ذلك لكلّ حادث حديث.

 

وفي الانتظار، سحبت واشنطن بطاريات صواريخ «باتريوت» من بعض دول الخليج، وبالتزامن أقفلت قنصليّتها في البصرة متحدِّثة عن «خطر كبير».

 

وفيما تصاعد الكلام عن خطر الهجمات على ناقلات النفط في مضيق «باب المندب» وعن احتمال إغلاق ايران مضيق هرمز، فإنّ البعض ربط ذلك بطلب ترامب من السعودية أن تدفع ثمن الحماية الاميركية من «الخطر الايراني».

 

وهنالك ما هو أهم يجرى التحضير له. ففي مطلع السنة المقبلة تدرس الدوائر الاميركية استضافة قمّة اميركية ـ عربية بهدف إطلاق «تحالف استراتيجي» للشرق الاوسط، على أن يضمّ السعودية ودولة الإمارات والكويت والبحرين وقطر وعُمان بالاضافة الى مصر والأردن والدولة الأميركية.

 

هذه القمّة والتي كان لمّح ترامب اليها في الامم المتحدة ستكون مهمتها تكوين درع عسكرية للخليج وتنسيق النزاع الحاصل من سوريا الى اليمن، وهو سيأخذ عنوان «الناتو» العربي.

 

وحدّدت واشنطن لها دورَ التزويد بالمعلومات الاستخبارية وإدارة أنظمة الإنذار المبكّر والعمليات الخاصة والدفاع الصاروخي واستخدام القوة الجوية.

 

وتعطي واشنطن وظيفة لهذا «الناتو» العربي بخلق توازن عسكري مع إيران وتطوير هيكل التعاون الامني والاستخباري والعسكري مع دول التحالف.

 

وسيكون لتركيا دور المساند العسكري ايضاً، ولكن من خارج الهيكلية التي ستُعتمد في سوريا.

 

وتراهن واشنطن على عدم اعتراض روسيا التي باتت تعاني من تكاليف تدخّلها العسكري في سوريا. لكن ما تسعى واشنطن إليه فعلاً من هذا «التحالف» هو منع التمدّد الروسي في اتّجاه دول الخليج وكذلك منع شهية الصين في هذا الاتجاه.

 

ولكن قبل انعقاد القمة الاميركية – العربية لا بد لواشنطن من أن تكون قد رتّبت تفاهماتها السياسية مع طهران، ما يعني أنّ كانون الاول هو شهر دقيق وحساس.