في الحرب الباردة والناشطة التي تدور حول السلاح وتسليم السلاح وجعجعة السلاح، لمْ أشَأْ أنْ أنأى بنفسي عن الخوض في ميدان هذه الحرب، ما دام الكلام حولها أصبح اليوم كمثل ما كان الكلامُ للميدان.
لا بدَّ أولاً من بطاقة تعريف: هذا الذي إسمهُ أنا، لم أكنْ يوماً إلّا مع المقاومة والجهاد ضدَّ العدو الإسرائيلي واعتداءاته على لبنان، وإنَّ لي في هذا المجال وقفاتٍ وجولات في لبنان وغير لبنان، ما تشهدُ له المنابرُ والمحابر.
لذلك أقول: – وبالإذن من الدستور – لا يُخيفني التمسُّكُ بسلاح «حزب الله»، فلستُ أتوجّسُ منه شرّاً ولا ضرّاً على الصعيد الداخلي، ولا أتخيّلُ أنَّ «حزب الله» سيواجه اللبنانيِّين يوماً بالصواريخ.
ولكنّني، وفي معزل عمّا قيل: «إنّ «حزب الله» مستعدٌّ للدخول في مواجهةٍ جديدة مع إسرائيل» لا أرى – وحتى إشعارٍ آخر – أيَّ فحوى أوْ جدوى من هذه المواجهة، ولستُ في حاجةٍ إلى كثيرٍ من الدلالات في هذا المجال، بقدر ما أُدرك ما يتمتَّعُ بهِ «حزب الله» من الحكمةِ والتبصُّر على مستوى التحليل المنطقي والإستراتيجي، ما يُعفيني من الإستزادة في التبريرات».
ما دامت مخازن الأسلحة في جنوب الليطاني أو في شماله ستظلُّ هدفَ المسيَّرات الإسرائيلية لمزاولة القصف والقتل واستكمال مسلسل الإغتيالات، وفي ظلِّ انعدام طاقة الردع وطاقة المساندة، فإنَّ ما يُخشى أن يستمرَّ التحرُّش الإسرائيلي في استفزاز صبْرِ «حزب الله» بغيةَ إحراجهِ واستدراجهِ إلى معركةٍ يحقِّق فيها ما تعذّر عليه تحقيقهُ في الجولات السابقة.
وهو الأسلوب الذي يعتمدُه العدوّ الإسرائيلي في استفزاز حماسة «حركة حماس» التي تَعتبِر أنّها حقَّقت إنتصاراً بمجرَّد أنّ العدو لم يتمكن من تحقيق أهدافه فلم يستردّ الأسرى ولم يطرد حركة «حماس» من قطاع غزّة، فيما استطاع أن يطرد قطاع غزّة من فلسطين، وأن يجعل من أهلِ غزّة شعباً مشرَّداً يتساقطُ يومياً بالمئات تحت وطأةِ القصف والفقر والمرض والجوع والعطش المذلّ، و«ماءُ الحياةِ بذلَّةٍ كجهنَّمِ».
لقد أصبح تسليم سلاح «حزب الله» كمثلِ الصلاة اليومية يتردّدُ على كلِّ شفَةٍ ولسان، على أنَّ بهِ الحلَّ للنهوضِ بلبنان.
ولقد كان هذا السلاح ولا يزال العقبةَ التي يتمسَّكُ بها المجتمع الدولي، ولا سيما في رسالته الساخنة الأخيرة إلى الرؤساء في لبنان: فلا مساعدة ولا اقتصاد ولا استقرار ولا استثمار ولا إعادة إعمار ولا انسحاب من إحتلال، ما دام «حزب الله» يتمسَّكُ بسلاحهِ.
وهل هذه العقبة التي إسمها السلاح هي التي تؤمِّنُ حقَّاً سلامةَ «حزب الله» وسلامةَ بيئتهِ، وهل هي التي تؤمِّنُ وجودَ «حزب الله» الأمني ونفوذَهُ السياسي وهو أكبرُ حزبٍ وأقوى حزبٍ في لبنان؟
فماذا إذاً، عن الأحزاب الأخرى في لبنان والتي لا تمتلكُ سلاحاً صاروخيّاً ومسيّرات، بما في ذلك حركة أمل؟
عندما يكون السلاح في عهدةٍ الدولة اللبنانية والأحزاب ممثَّلةٌ في الحكومة يُصبح من واجب الأحزاب كلِّها أنْ تشترك في المقاومة.
وعندما يتـمُّ بعد ذلك أيُّ اعتداءٍ على لبنان تسقط ذريعة إسرائيل بأنّها تعتدي على «حزب الله» وليس على الدولة اللبنانية، ويصبح من شأنِ الدولة اللبنانية جيشاً وشعباً أن تكون هي «حزب الله» وحزب الوطن دفاعاً عن الأرضِ والكيان والحدود والوجود، وهذه أبرزُ ضمانةٍ تُعطى للحزب وهي أفضلُ من ضمانةِ المجتمع الدولي وأهمُّ وسيلةٍ للضغط عليه.
في ظلِّ هذه الإعتبارات وسواها، وما دام موضوع حصريَّة السلاح قد اتُّخذ بقرارٍ جامع، أرجو مخلصاً أن يسارعَ «حزب الله» إلى اتخاذ الموقف المرتجى، ليس نزولاً خاضعاً لتهويل المجتمع الدولي، بل نزولاً صاعداً لإنقاذِ لبنان ممَّا يُبيِّتُ لهُ العدوان، وللحؤول دون الإستمرار في دوَّامة الإنتظار: مع كلِّ يومٍ غارة، ومع كلِّ غارةٍ شهيد.
ولا أظنُّ مع هذا، أنَّ أعداء «حزب الله» يتمنّون أن يسلّمَ سلاحَه.