IMLebanon

ماذا بعد الصدمة الإيجابية؟!!

 

تسارعت الأحداث بعد الرابع من تشرين الثاني حيث أعلن الرئيس الحريري استقالته من المملكة العربية السعودية، واضعاً شركاءه في الوطن عامة وفي التسوية الشهيرة خاصة، امام خيارين واضحين لا ثالث لهما: إما العمل يداً بيد للبنان اولاً، او الانصراف كل لأجندته الإقليمية، ولتسقط التسوية علنا وليتحمل كل فريق مسؤوليته بالتفريط بالوطن!
إلا انه، مرة جديدة، اثبتت الدول الصديقة حرصها على لبنان واستقراره اكثر من ابنائه، فتكثفت الاتصالات العربية وتسارعت المبادرات الغربية لتحييد لبنان عن المواجهة المتصاعدة بين دول الخليج من جهة وايران من جهة اخرى، وهو صراع لو زُج بالوطن الصغير فيه لقضي عليه قبل ان تبدأ المواجهة!
لقد احدثت الاستقالة «الصدمة الإيجابية» التي كررها الرئيس الحريري مرارا وتكرارا، وأعادت ترتيب الاولويات في الداخل اللبناني وجمعت من فرقتهم الاجندات والمصالح في مشهد وطني جامع كان قد نسيه اللبنانيون.
إن الالتفاف الشعبي غير المسبوق الذي احاط بالرئيس سعد الحريري، ما هو الا ثمرة خطاب وطني بامتياز يشكل استمرارية لإرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي لم تفرّق يوماً رؤياه الاقتصادية والتنموية بين طائفة وأخرى، او منطقة وأخرى، ولم يهب للحظة صناديق الاقتراع حتى في احلك الظروف، فرفض المناطقية الضيقة وعمل على مستوى الوطن.
لقد كان إيمانه بلبنان اكبر من الخلافات الصغيرة والتهافت على المكاسب الضيقة، وكانت ثقته بثوابته اكبر من ان يهزها حوار من هنا او يشكك بها تنازل من هناك… لأن الثوابت كانت واضحة والخطوط الحمراء مصانة مهما بلغ الانفتاح على الآخر، ومهما غلت اثمان هذه القناعات، فبقي منسجماً مع نفسه حتى الرمق الأخير، وكان منفتحا لأقصى الحدود في حواراته مع الشركاء في الوطن، الخصوم قبل الحلفاء، من دون ان يزيح قيد انملة عن عروبته، خالقا توازنا فريدا من نوعه راعى خلاله خصوصية لبنان وتركيبته الطائفية المعقدة.
اليوم، كما عند كل أزمة او منعطف طرق، نستذكر الرئيس الشهيد لنأخذ العبر من جهة ونؤكد على ثوابته! ولقد اعادت استقالة الرابع من تشرين الثاني مواقف الرئيس الشهيد الى الذهن… حيث أكد الرئيس سعد الحريري على استمرار انفتاحه على الشريك شرط ان يلاقيه في منتصف الطريق، فزمن استنزاف رصيده الدولي والشعبي تحت عنوان التسوية والمصلحة الوطنية ولى، ولا بد ان يمضي الجميع قدما في مخطط بناء الدولة وليس المضي خلفها لبناء الدويلة. وبقي خطابه هادئا في احلك الظروف، ولكن واضحا كنور الشمس في تحديد الاولويات وهي اليوم تحييد لبنان عن صراعات المنطقة.
إن اللين في غير ضعف، والحزم من غير قسوة تحت مظلة لبنان اولا هو أساس المرحلة المقبلة اذا ما كتب لها النجاح، وهي لحظة تاريخية حيث الاجماع الخارجي، والدعم للبنان واستقراره غير مسبوقين في منطقة تغلي بالبراكين المتفجرة.
فهل يتلقف الشركاء في الوطن هذه الفرصة النادرة لتحييد وطنهم عن التهلكة الأكيدة، ام ان أطراف الصراع لن يتخلّوا عن أوراقهم بهذه السهولة، وتبقى الخطة هي افراغ الاستقالة من زخمها وإعادة الأمور الى ما كانت عليه، عندها نكون جميعا سعد الحريري، مستقيلين من لبنانيتنا في شتى بقاع الأرض.
لقد أثبتت التجارب في لبنان انه لا غالب ولا مغلوب لأننا جميعا في المركب نفسه، وقد حاولت كل الأطراف سياسات المحاور، على تنوعها واختلافها، ولم يخرج الرابح فيها الا بخسائر فادحة على المستوى الداخلي، فلنحاول ولو لمرة، الاحتماء بالمظلة اللبنانية، ولتراع ايران خصوصية التوازنات في لبنان تماما كما هو مطلوب من دول الخليج، حتى تستقيم التسوية ولا تبقى حبرا على ورق، تلزم فريقاً من جهة، وتحرر الآخر من جهات أخرى!