IMLebanon

ماذا فعل ريفي منذ التوقيف الى القرار نصف المخفف؟

عام 2012 أوقف ميشال سماحة بجرم التحضير لتفجيرات في لبنان، وعام 2016 حُكم عليه بالحكم نصف المخفّف بعدما سلكت قضيته مساراً طويلاً من التجاذبات كادت في إحدى مراحلها أن تهديه البراءة.

لم يكن الحكم الذي أصدرته محكمة التمييز العسكرية سوى نهاية المطاف لنزاع طويل اختلط فيه السياسي بالقضائي، وأدّى الى استقالة وزير العدل أشرف ريفي، بعدما منع «حزب الله» نقل الملف الى المجلس العدلي في مجلس الوزراء، مانعاً في الوقت عينه إعادة المحاكمة، التي كانت ستعبر الحدود للوصول الى مَن أمر سماحة ومَن أرسل المتفجرات ومَن قرّر في ذلك التوقيت إحداث فتنة طائفية كبرى.

قاد ريفي في مسيرته الأمنية والسياسية، ملفاتٍ كثيرة، لكنّ أحد أخطر هذه الملفات كان ملف ميشال سماحة. حين تيقّن ريفي واللواء الشهيد وسام الحسن بالصوت والصورة وبالدليل القاطع على صدق المخبر ميلاد كفوري الذي ضبط مؤامرة سماحة، اتخذ الرجلان القرار الصعب بتوقيف سماحة وتقديمه الى القضاء. نفّذت عملية دهم بيت سماحة صبيحة ذلك اليوم، بإشارة قضائية، ولم يعلم بها مَن يجب أن يعلم إلّا بعد الدقائق الأولى، أي بعد نجاح قوة الدهم بالقبض على سماحة، مع الحفاظ على حياته وسلامته.

ليس سرّاً أنّ البعض ممّن كانوا في موقع المسؤولية الأمنية والقضائية، خشيوا الانتقام، وتطلب الأمر تعزيز الحراسات الشخصية لهم، وإشعارهم بالاطمئان لكي تتابع المهمة بالتحقيق مع سماحة وسوقه الى القضاء، مع ملفه المثبت.

خاف البعض، لكنّ ريفي والحسن اللذين كانا يعرفان خطورة القرار، مضيا الى النهاية، من دون أن يُسقطا احتمال تعرّضهما للاغتيال. كان تعليق الحسن ليلة القبض على سماحة يكفي لوصف هذه المخاطر، فقد قال اللواء الشهيد: «لقد اتّخذوا القرار باغتيالي، ولن يتحمّلوا وجودي بعد اليوم».

لم يُسمح لشعبة المعلومات أن تأخذ الوقت الكافي للتحقيق مع سماحة. الضغوط انهالت لكي يختم التحقيق ويرسل الى القضاء، والضغوط نفسها مورست على المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لكي يسحب موافقته على عرض المضبوطات أمام وسائل الاعلام، وهذا في حدّ ذاته كان مؤشراً، لما ستقوم به المحكمة العسكرية فيما بعد، وهي لم تخيّب آمال مَن يقفون خلفها، فأصدرت قرارها الشهير بالحكم المخفّف على سماحة، لتعود محكمة التمييز الى إصدار الحكم نصف المخفّف، بعد الضغط الشديد الذي ولده القرار الأول الذي وُصف بأنه يشكل فضيحة قانونية، تُضاف الى سلسلة الأحكام التي نظرت فيها المحكمة العسكرية.

عندما صدر حكم الأربع سنوات على سماحة، كان ريفي في اجتماع مجلس الوزراء، خرج من الجلسة وقال كلاماً رسم فيه خريطة طريق، للاعتراض على الحكم ونسفه. شعر ريفي بأنه يراد إطلاق سماحة في ليل، وقرّر الذهاب الى النهاية حتى ولو كلّفه ذلك الاستقالة، وهذا ما حصل لاحقاً.

خارج المحكمة كانت «المراسيل» تروح وتجيء، متخطية «العسكرية» وهيبتها، وراوحت بورصة الأحكام بالتواتر بين سبعة وعشرة وخمسة عشر عاماً، وكلّ ذلك حصل بعد الاستقالة، التي حرّكت ما كان يُفترض تحريكه، والتي غيّرت حكم البراءة المقنّع، الى تشدّد أدّى الى عودة سماحة الى السجن، بعدما خرج بهمروجة إعلامية إنتصارية، عكَست ما أُعطي له من ضمانات، بأنه سيفلت من العقاب.

الى هنا لا تنتهي قصة محاكمة سماحة على رغم الحكم الذي صدر، فهذا الملف وإن خُتم على صعيد القضاء اللبناني، لكنه سيبقى بما يتضمّنه من أدلّة، وثيقة تؤكد مسؤولية النظام السوري، يمكن أن تكون في متناول أيّ هيئة قضائية دولية، وخصوصاً محكمة الجنايات الدولية التي تنتظر إشارة من مجلس الأمن الدولي لكي تبدأ بفتح ملف هذا النظام والأفعال التي ارتكبها في لبنان وسوريا.