IMLebanon

ماذا تُريد المملكة؟

نقلت بالأمس وكالة الصحافة الفرنسيّة عن سفير المملكة العربيّة السعوديّة علي عواض عسيري قوله: «ما قامت به الحكومة اللبنانية لم يكن كافياً وشافياً وأدعوها إلى معالجة الأخطاء التي ارتكبتها جهة معينة فيها»، وهذا كلام حقّ وصدق ومكاشفة، ولكن حتى السّاعة لم يعرف اللبنانيّون ما الذي تريدهُ المملكة تحديداً سواء من الشعب اللبنانيّ، أم من هذه الحكومة المشلولة العاجزة، بل الميتة عمليّاً منذ أصبح لبنان بلا رأس، ويتابع اللبنانيّون هنا وهناك، مقالات صحافيّة لكتّاب سعوديّين وآخرين لبنانيّين تصيبهم بقلق شديد، لأنّها تطرح تساؤلات كبرى يُدرك اللبنانيّون أنّهم مجتمعين ـ من دون شعب حزب الله ـ  غير قادرين على تحقيق أيّ منها، فيما يكتب آخرين عن «حلّ رباعيّ» يتيح انتهاء هذه الأزمة التي لم يواجه لبنان مثلها منذ تأسيس دولة لبنان الكبير.

وفي الوقت الذي يتسابق فيه السيّاسيّون اللبنانيّون إلى إطلاق تصريحات «مفجعة» فارغة من أي مضمون سوى التأكيد على «عروبة» لبنان أو تمسكه بـ»الانتماء العربيّ»، إلى حدّ يجعلنا نظنّ أن لبنان «دارج» في انتمائه العربيّة، وليس عربيّاً بموجب دستوره الذي تنصّ مقدّمته التي أضيفت إليه بموجب القانون الدستوري الصادر في 21 أيلول 1990 بعد حرب طاحنة شهدت في جزء منها صراعاً على هويّته العربيّة، وأنّه بموجب الفقرة «ب» من مقدّمة الدستور «عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها»، فإنّ من أعجب العجب تأكيد المؤكّد، فيما يبدو إصرارٌ على بيع المملكة كلاماً «كاذباً» وتربيحها «جميلة» بـ»عروبة لبنان»!!

ماذا تريدُ المملكة؟ يطرح اللبنانيّون هذا السّؤال وهم يشعرون بقلقٍ وخوفٍ كبير من «المجهول» العربيّ الذي ينتظر مستقبل وطنهم، ويحارون في إيجاد الجواب… هل تُريد المملكة استقالة هذه الحكومة الميتة، فهي بالأساس ميتة، وقد بُحّ صوت لبنانيّون كُثر وهم يُحذّرون من الجلوس مع حزب الله في حكومة واحدة، ولكن لم يسمع أحد لتحذيراتهم، كثيرون منّا كانوا يُدركون أنّ «من جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب» وأنّ حزب الله حزب تقيّة ونفاق وأنه ينقلب على كلّ المواثيق والعهود، وأننا سنصل إلى هنا لا محالة!!

وبصدقٍ شديد أخاطب سفير المملكة العربيّة السعوديّة لأكاشفه بما لن يقوله له أحد من السياسيّين المتضامنين مع المملكة، نحن عاجزون حكومة وشعباً على مواجهة شيطان إيران في لبنان وسلاحه، هذه هي الحقيقة المرّة، إلا إذا كانت المملكة تُريد من اللبنانيّين أن ينخرطوا في حربٍ لا تُبقي ولا تذر وتحوّل لبنان إلى عراقٍ آخر أو سوريا أخرى، ولا أظنّ أبداً أنّ هذا ما تريده المملكة، ولكنّ المواجهة مع حزب الله ستفتح أبواب جهنّم على أهله وستتيح إعلانه «الجمهوريّ الإيرانيّة في لبنان» وهذا هدف إيران الأكبر في لبنان.

ماذا تُريد المملكة؟ بالأمس سأل زميلنا خيرالله خيرالله في مقالته «السعودية تضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم» في جريدة العرب: «هل في استطاعة لبنان مواجهة العاصفة التي يبدو أنها مقبلة عليه بسرعة جنونية؟» بالتأكيد زميلنا يعرف أنّ الإجابة هي لا..لا يستطيع… وبالأمس كتب زميلنا السعوديّ أحمد عدنان تحت عنوان «تمّام سلام.. استقل» عمّا أسماه «الحلّ الرباعي» لهذه الأزمة، ويتضمّن الحلّ أربعة أمور: «إيقاف الحوار الترفيهي أو الصوري بين حزب الله وتيار المستقبل، إلغاء المبادرات الرئاسية، إنهاء الحكومة، والنزول إلى الشارع»، هل هذا ما تريده المملكة؟ في الأساس نحن كنّا من أوّل الرّافضين لهذا الحوار بين حزب الله وتيّار المستقبل يقيناً منّا بأنّ حزب الله لجأ إلى هذه المناورة عندما شعر بأنّ ميزان القوى ليس في صالح إيران لا في سوريا ولا في اليمن، ولكن لم يصغِ أحدٌ لمناشداتنا خصوصاً وأنّ الحليفين اللدودين الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط سارعا إلى تغطيس تيّار المستقبل في هذا «الترف» التكاذبيّ لأنّ مصلحتهما اقتضت ذلك، وهو أمر ما زال يتكرّر وزاد نغماً في الطنبور التمسّك بترشيح سليمان فرنجيّة الذي لم يقل حرفاً في هذه الأزمة فيما كانت واجهة حزبه فيرا يمّين تسخر من «عريضة» المليون توقيع تضامناً مع المملكة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري، تماماً مثلما سخر منها الزميل أحمد عدنان ووصفها بـ»ببدعة مثيرة للشفقة»…

والأمر الثاني في الحلّ الرباعي كما وصفه الزميل السعوديّ أحمد عدنان هو «إلغاء المبادرات الرئاسية»، وصدقّوا أنّ اللبنانيّين لا يريون لا ميشال عون ولا سليمان فرنجيّة في رئاسة الجمهورية فكلاهما حليفيّ بشّار الأسد وحزب الله وإيران، أمّا الأمر الثالث وهو «إنهاء الحكومة» وهذا أمرٌ شاهد العالم عبر شاشات النقل المباشر التظاهرات التي تطالب باستقالة الحكومة بعد أزمة النفايات التي أغرقت لبنان، بفضل النائب وليد جنبلاط الباحث عن المليارات لإبنيْه في استثمار نفايات اللبنانيين، وأن المأسآة والفضائح مستمرة تعصف بالحكومة الميتة والتي ما زالت ملقاة على كراسيّها!!

أمّا الأمر الرابع وهو «النزول إلى الشارع»، فهو أمرٌ خبره اللبنانيّون طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية فالشّارع في لبنان يقابله شارع، وهذا الأمر سيقود إلى إحراق بيروت ودخول لبنان في حرب أهليّة طاحنة، خصوصاً وأن هناك شارعٌ متمرّس في «الزعرنة» و»البلطجة» وحمل السكاكين والجنازير والسلاح، وهم يتحينون إشارة لإطلاقهم في شوارع المدينة كالوحوش الضارية ليسرقوا وينهبوا ويعيثوا في لبنان فساداً!!

ماذا تريد المملكة؟ تساءلت مرّة في مقالة ماذا لو خرج أهل السُنّة في لبنان ليهتفوا ردّاً على حسن نصرالله «الموت لإيران» و»الموت لخامنئي» ردّاً على هتاف «شعب» حسن نصرالله «الموتُ لآل سعود»… أظنّ أن الوقت قد حان لخروج أبناء طرابلس وعكار والبقاع من الطائفة السُنيّة، ومن يُريد من حلفائهم لردّ الصّاع صاعيْن لإيران وحزب الله، وردّاً لاعتبار المملكة العربيّة السعوديّة، ولإفهام حزب الله أنّ الهتاف سيقابله هتاف، وأنّ الشتم بالشتم وأنّ العين بالعين والسنّ بالسنّ وأن البادىء أظلم، ولتذهب هذه الحكومة إلى الجحيم، وليتفضل الجيش اللبناني والقوى الأمنية ويقوموا بتأمين الحماية لمن يريدون التعبير عن تضامنهم مع المملكة في الشّارع، الذي كان على اللبنانيين البقاء  فيه منذ العام 2005، ولكن!! على أحدٍ ما أن يسأل بوضوح شديد: ماذا تريد المملكة؟ وأن يكفّ السيّاسيّون عن بيع المملكة «الكلام» وبسّ!!