IMLebanon

ما الذي يُبطل الحكم الهزيل على سماحة؟

 خلق الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة في حقّ النائب والوزير السابق ميشال سماحة جدليّة لا مثيلَ لها إن في الشارع أو على الصعيد القانوني، وفي وقت يتّضح أنّ تمييزه لن يؤدّيَ عملياً الى تشديد العقوبات، غير أنّ القراءة القانونية لحيثياته تبرز أنها تحوي أخطاءً قانونية تؤدّي ليس فقط الى نقضه بل الى إبطاله ما يسمح بإعادة المحاكمة.

من المعلوم أنّ نقض الاحكام الجزائية يستند الى أسباب حصرية محدّدة قانوناً، منها ما يتعلّق بالشكل كانتفاء صلاحية المحكمة ويؤدّي الى إلغاء الحكم وإعادة المحاكمة أمام محكمة مختصة، ومنها ما يتعلّق بالأساس، غير أنّه لا يمكن لمحكمة التمييز في هذه الحال الأخيرة أن تشدّد العقوبة عملاً بالقاعدة القانونية التي لا تجيز أن تأتيَ المراجعة الجزائية خلافاً لمصلحة المحكوم.

وفي الإطار عينه، لا يمكن لمفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية المولَج تقديم الطعن، أن يثير مسألة الصلاحية، على رغم أنّ المحكمة تخطَّت صلاحياتها بمفهوم المادة (24 من قانون القضاء العسكري)، ذلك، باعتبار أنه قَبِل بالصلاحية ضمناً يوم ادَّعى على سماحة.

أمام هذا الواقع لا بدّ من التحقق في لغة القانونيّين، ما اذا كان الحكم أو إجراءات المحاكمة يحويان أسباباً للبطلان، ما يسمح عندها بإعادة محاكمة سماحة وشركائه وفق معايير قانونية سليمة ويُمهّد لتصحيح الخطأ في العقوبة.

وفي هذا الصدد، تكشف القراءة القانونية للحكم، وجود أكثر من 10 عيوب مبطِلة في طيّاته، وأنّ البطلان ذو طبيعة مطلقة لا يجوز الرجوع عنه أو تصحيحه. وقد أفادت مصادر مطّلعة «الجمهورية» بأنّ النقض المزمع تقديمه الى محكمة التمييز العسكرية على خلفية العقوبات البسيطة في حقّ سماحة، سيستند الى نقاط عدّة، لن تغيب عنها أسباب البطلان.

عيوب الحكم

كلّ حكم قضائي لا بدّ من صدوره عن هيئة مؤلّفة وفقاً للقانون، على أن يكون متماسكاً ومترابطاً يستند الى الوقائع المعروضة في القضية ويجيب على كلّ النقاط المثارة والمواد القانونية المسنَدة في الإدعاء، ذلك تحت طائلة بطلانه.

وفي هذا الإطار، يؤكّد الخبير في القانون الجنائي الدولي المحامي وهبي عياش، أنّ المحكمة العسكرية الدائمة، بهيئتها الحالية هي غير قانونية، باعتبار أنّ رئيسها العميد خليل ابراهيم لا يحمل إجازة في الحقوق خلافاً لما هو مفروض، وهذا في ذاته سببٌ مبطل للأحكام الصادرة عنه.

ويضيف عياش أنّ عدم قانونية هيئة المحكمة ليس العلّة المبطِلة الوحيدة بالنسبة للحكم الصادر في حقّ سماحة، موضحاً أنّ «هذا الحكم الهجين والمعيب، كسر كلّ مفاهيم وأصول صياغة الاحكام شكلاً ومضموناً، فهو تجاهل عن قصد التسلسلَ في المسؤولية الجرمية، الذي يبدأ بالمخطِّط والمدبِّر والآمر، وصولاً الى المنفّذ، وحصَر الحلقة الجرمية بالمنفّذ «المأجور»، علماً أنّ أوّل وأبسط ما يُسأل عنه المنفّذ هو: مَن زوّدك أدوات الجريمة وحرّضك وخطّط للجرم؟ ولا سيّما أنّ سماحة بلسان الدفاع هو موظّف «ديليفري».

ويلفت عيّاش إلى أنّ الحكم لم يناقش موادَ الإدعاء ولم يرد على كلّ الوقائع الواردة في قرار الإتهام الصادر عن قاضي التحقيق العسكري، ما يجعله أيضاً باطلاً لهذه الجهة.

ويستغرب تمادي المحكمة العسكرية في الخطأ، فهي لم تكتفِ بما ذُكر من أسباب للبطلان، بحيث إنها لم تعلّل أخذها بمواد قانونية دون أُخرى، فأتت فقرة الحيثيات سطحية وواهية وغير جدّية، تتجاهل اتهام سماحة بتهديد أمن الدولة والسلم الاهلي وإثارة الفتن، وتعتمد وصفاً قانونياً بعيداً كلّ البعد عن إحالة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الذي ادّعى بمواد تصل عقوبتها الى الإعدام، ذلك توصلاً خلافاً للقانون الى عقوبات موازية للجنح.

حكم أميركي

وهنا استشهد عياش بحكم محكمة بوسطن الصادر ضدّ الشيشاني جوهر تسارناييف (18 عاماً)، الذي قضى بإعدامه في قضية التفجير خلال ماراثون بوسطن 2013، وقتل 3 أشخاص وجرح 260 آخرين، بحيث توصلت هيئة المحلفين المكوّنة من 7 نساء و5 رجال من بينهم كاهن، إلى قرارها هذا، على رغم صغر سنّ المتهم ومحدودية مسؤولياته وعدم وجدود أسبقيات جرمية له، فضلاً عن أنّ 80 في المئة من سكان الولاية لا يؤيدون الإعدام.

وأوضح عياش أنّ المحكمة الأميركية أجابت على 30 تهمة ودرست 21 سبباً تخفيفياً للحكم في حين أنّ حكم سماحة رمى خلفه أبرز مواد الإدعاء وتجاهل مسؤولية المتهم ومشغّليه qui ont mit en oeuvre le processus de l›exécution de l’act terrorist رغم ثبوت اعتراف سماحة في تسجيلات المخبر ميلاد كفوري بأنه لا يعلم بالعملية إلّا الرئيس (بشار الاسد) وعلي (المملوك) وعامل سماحة وكأنّ المتفجرات سقطت من الشجرة.

تشويه الوقائع

فضلاً عن كلّ ذلك، شوّه الحكم الوقائع الواردة في مضمون المستندات المبرزة في الملف، وبحسب عيّاش فإنّ المحكمة لم تلتفت الى إعترافات سماحة ولا الى الادلة الدامغة الموثَقة بالصوت والصورة، وأخطأت في تطبيق المواد القانونية وتفسيرها، فضلاً عن أنّ حكمها متناقض في ما بينه.

وبالعودة الى نصّ الحكم الذي انفردت «الجمهورية» بنشره في عدد السبت الماضي، يظهر بأنّ فقرة الحيثيات تضمنت تناقضاً لجهة الإشارة الى اعتماد بعض المواد القانونية ثمّ الإعلان عن عدم اعتماد هذه المواد ذاتها. ويؤكّد عياش أنّ كلّ ذلك يؤدي بدوره الى الطعن بالحكم.

ويشكك عياش في حياد المحكمة العسكرية الدائمة بالنظر الى أحكام كثيرة صادرة عنها، والتي تصبّ في صالح جهة سياسية معروفة منها قضية قتل النقيب الطيار الشهيد سامر حنّا التي بُرّئ فيها القاتل، معتبراً أنّ ذلك يشكل سبباً إضافياً للطعن بالحكم على خلفية الإرتياب المشروع في حياد المحكمة.

فصل المملوك

قبل صدور الحكم كانت المحكمة فصلت محاكمة سماحة عن شريكه في التهمة مدير مكتب الامن القومي السوري اللواء علي المملوك، لكنّ لفصل المحاكمات أصولاً، فإلى أيّ مدى اعتمدتها المحكمة العسكرية؟ في هذا الإطار يقول عياش إنّ فصل سماحة عن المملوك غير جائز قانوناً باعتبار أنّ الجريمة مترابطة ومتكاملة في وجود وحدة الفعل والهدف والأدوات والمخطّط.

النية الجرمية

بعيداً من النتائج التي لم تُفضِ الى تنفيذ الجرم بالكامل إلّا أنّ للنيّة الجرمية دوراً في المحاكمات الجزائية، وفي هذا الصدد يوضح عيّاش أنّ العلم الجنائي الدولي يعاقب الفاعل وإن لم تتحقق النتيجة المتوخاة من المشروع الجرمي، إلّا إذا عاد الفاعل عنها قبل تنفيذها وليس بسبب ظروف خارجة عن إرادته كما حصل مع سماحة الذي ضبطته شعبة المعلومات.

دور للمحكمة الدولية؟

وبالعودة الى مبدأ الصلاحية والى جانب دور المجلس العدلي في النظر بالقضية، تقوم فرضية التلازم بين الإدعاء على سماحة والقضايا التي تنظر فيها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، باعتبار أنّ العبوات التي ضبطت مع سماحة شبيهة لتلك التي استخدمت في عمليات اغتيال عدّة من بينها قتل الامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، المُحالة الى المحكمة الدولية.

وفي هذا الإطار، يقول عياش إنّ المادة 96 من قانون القضاء العسكري تنصّ على أنّ «لوزير الدفاع الوطني بعد استطلاع رأي السلطة العسكرية العليا وموافقة مجلس الوزراء أن يقرّر وقف تنفيذ الحكم لأسباب تتعلّق بالمصلحة العامة». ويرى عياش أنّ لمجلس الوزارء عندما يأخذ بهذه المادة إحالة القضية الى المحكمة الدولية لأنها ذات صلة بالجرائم المُحالة اليها.

وإضافة الى الأسباب المذكورة، يشير عياش الى إمكان النقض لمنفعة القانون، الذي لا يؤدّي الى تغيير العقوبة إنما يُفضي الى تصحيح الاخطاء القانونية المرتكبة في الحكم لمساعدة المراجعات القضائية والدراسات القانونية اللاحقة.