IMLebanon

ما هو الدور المصري في الحرب الدولية على الإرهاب؟

كانت مصرُ أوّلَ مَن تنبّهت إلى أنّ الإرهاب، ولو اتّخذ أسماء وأشكالاً متعدّدة مصدره ومرجعه واحد هو جماعة «الإخوان المسلمين».

مصدر الانتباه المصري الأمني والسياسي هو التاريخ السياسي والخبرة المتراكمة منذ مطلع ستينات القرن الماضي، ومصر على مستوى الدولة والناس والمشاعر القومية التي رافقت ثورة (23 تموز) إكتسبت خبرة كبيرة من مواجهة إستخدام «الإخوان» ومحاولتهم الإستثمار على الشعور الديني وإعتبرت أنّ هذا (اختراع) منظّمة «الإخوان المسلمين» ومصدره لندن هو أداة للإنتقام من ثورة (23 تموز) 1952، وبعد ذلك إستمرت مواجهة الدولة في مصر خلال عهود الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك لهذا التنظيم إلى أن حدثت إنتفاضة (25 كانون الثاني) 2013 التي إستخدمها «الإخوان» منصّة للسيطرة على الحكم ومحاولتهم إحتواء الدولة.

أوّل عمل قامت به الرئاسة المصرية بقيادة السيسي كان العمل لاستعادة ثقة الشارع المصري بالدولة وتنفيذ المطالب السياسية التي تتمثل بخريطة طريق وإستعادة الثقة العربية عبر عقد اجتماع للقمّة الغربية – العربية في شرم الشيخ المصرية على رغم أعمال العنف التي كان ينفّذها «الإخوان المسلمين». في القمّة، نبّهت مصر المجتمعين القادة العرب إلى أنّ العدوّ المشترك الجديد القديم هو الإرهاب.

بعد ذلك، جاء انضمامُ تونس إلى مصر عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية حيث هزمت حكم «الإخوان» وتولّى الرئيس (الباجي القايد السبسي) رئاسة البلاد، وتصدّرت ليبيا صورة الوضع على وقع تصدّي المكوّنات الليبية وفي الطليعة القوات المسلّحة لسيطرة جماعات متأسلمة مسلّحة على مقاليد البلاد، فيما واصلت الجزائر التصدي لحرب عصابات تشنّها مجموعات مسلّحة بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة فيما تقع المملكة المغربية تحت وطأة ضغوط سياسية وتهديدات إرهابية متطرّفة.

وأفشلت مصر مؤامرةً ثانية رمت إلى جعل إيران العدوّ الرئيسي للعرب بدل «إسرائيل»، فهي مصر أشارت إلى أنّ العدوّ الحقيقي الثاني هو الإرهاب وهو في الواقع العدوّ الرئيسي للأمن القومي العربي ومستقبل الأقطار العربية الذي ينقلب على الثقافة الدينية الوحدوية والنسيجين الوطني والاجتماعي.

في قمّة شرم الشيخ العربية، من منطلق مواجهة الإرهاب العابر للحدود، طرحت مصر تشكيلَ قوّة عربية موحّدة والدول العربية وافقت شكلياً وشاركت في اجتماعات لأركان الجيوش في ما بعد ولكنّها لم تكن جدّية وغير موحّدة في وجهات النظر.

ولم تكن ولا تزال لا تريد أخذ مبادرات جدّية تجاه الإرهاب العابر للحدود، وتريد المضي في تحالفات تتصل بأولويّاتها وتعتقد أنّها تعبّر عن مصالحها (إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وإسقاط ما تصفه بالانقلاب الحوثي والضغط على النظام العراقي الذي يُسيطر عليه الشيعة وإضعاف «حزب الله» في لبنان)، والدول العربية لم تكن تريد الانتباه إلى أنّ تحشيد العديد من مصر أو ليبيا أو تونس أو المغرب أو الجزائر وسوقهم نحو سوريا وتمويلهم وتسليحهم إنّما يؤدّي عملياً إلى بناء قوات مسلّحة ستعود لتعبث بأمن بلادها، وقد إكتسبت خبرات قتالية هائلة كما أنّ هؤلاء سيمثلون تهديداً للدول نفسها التي موّلتهم وسلّحتهم والتي تموّل بالإضافة إليهم وجود مرتزقة أجانب أو تستثمر على جماعات ذات انتماء إسلامي في الدول الشرقية والغربية، وهي بذلك تموّل انتحارها خصوصاً وأنّ الانتصارات التي حقّقها الإرهاب سياسياً وأمنياً أدّت إلى رفع معنويات الخلايا النائمة للإخوان حتّى في دول الخليج نفسها.

لذلك إستدركت مصر وحاولت إستدعاءَ الهمّة العربية لتشكيل قوّة تدخّل سريع وقد اتّخذت الدول العربية في القمّة العربية القرار رقم 628 يتاريخ 29/03/2015 بإنشاء قوة عربية مشترَكة لصيانة الأمن القومي العربي، ولكن في الحقيقة فإنّ تلك القوة لم تبصر النور ولم تتشكّل لتضطلع بأيّ مهمّات.

مصر وعلى لسان رئيسها وحكومتها ومجلسها وأركانها واصلت التنبيه إلى أنّ الإرهاب ليس موضعياً بل إنّه يشبه السرطان وقد إنتشر بنحو علني في جسد العالم وإنّه يستلزم إجراءً دولياً وعربياً وأنّ كفحه يستدعي عملاً جماعياً، وحتّى الآن يبدو أنّ مصر تصرخ في قربة مثقوبة، باستثناء أنّ الولايات المتحدة تعتبر في العهد الرئاسي الجديد أنّ الأولوية هي ضرب تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» ولم تصل إلى حدّ التسليم أنّ الإخوان المسلمين هو التنظيم الإرهابي الذي يصدّر كُلّ هذه (المسميات) بما فيها الإرهاب الذي يستهدف مصر عبر (جماعة جند الأقصى وغيرها)، وعبر عشرات بل مئات العناوين والأسماء التي تنتشر على مساحة سوريا والعراق واليمن وليبيا، وغداً ربّما في أمكنة أخرى ومن دون أن تنفّذ القرارات الدولية الخاصّة بتجفيف مصادر وموارد الإرهاب العابر لحدود الدول والقارات.

وقد واصلت مصر إجراءاتها الخاصة ضدّ الإرهاب و صدر قرار جمهوري في 15 آب 2015 بعنوان: قانون مكافحة الإرهاب إستناداً إلى عدد من القوانين السابقة.

كذلك إتّخذت مصر إجراءات إدارية إنمائية إلى جانب العسكرية في إطار هذه الحرب، وقد أكّدت الإستراتيجية المصرية على أنّ:

• ظاهرة الإرهاب تُمثّل تحدّياً يتطلّب تظافر جهود المجتمع الدولي للقضاء عليه.

• الحفاظ على سوريا ووحدة أراضيها ومؤسّساتها، وضرورة التوصل إلى حلّ سياسي يُحقّق تطلّعات الشعب السوري.

• التمسّك بحلّ الدولتين في ما يخص الملف الفلسطيني.

• إنّ مصر لا تتطلّع إلى الإرهاب بإعتباره تهديداً «لأمنها فقط وإنّما تهديداً» للأمن القومي العربي، ويمسّ صميم وحدة الأقطار والنسيج الوطني للدول العربية.

ويسجّل أنّ سياسة مصر في مجال الحرب ضدّ الإرهاب تستند الى:

العمليات العسكرية والأمنية ضدّ العناصر الإرهابية.

محاولة إيقاف الدعم المادي أو اللوجستي أو العملياتي.

• محاولة القضاء على البيئات الحاضنة للإرهاب في القاهرة وباقي محافظات مصر. وذلك عبر إنهاء العشوائيات والإرتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين نحو حياة كريمة.

• محاولة قيادة ثورة تصحيحية في مجال الخطاب الديني. بالدعوة المتكرّرة إلى تجديد هذا الخطاب وتطوير المناهج التعليمية لجامعة الأزهر، ومحاولة التجديد في بعض المفاهيم التي تُنظّم الحياة الاجتماعية.

• السعي للتنسيق مع دول العالم المختلفة للحدّ من خطورة الإرهاب عبر حضّها على اتخاذ خطوات فعلية في مجال مكافحته، والضغط على الدول المموِّلة له لوقف التمويل.

• التحرّك خارج الحدود الجغرافية لمصر في محاولة لإحياء دور الجيوش الوطنية النظامية لمكافحة الإرهاب في دولها، وحضّ الغرب لتقديم الدعم لهذه الجيوش وبما يُخفّف من قدرة التنظيمات المتطرّفة للتحرّك بصورة عابرة للحدود.

• إطلاق مبادرة للعمل الأمني المشترك بين الدول العربية لمكافحة الإرهاب في المنطقة.

• القيام بمشروعات اقتصادية استراتيجية تحتاج إلى قوّة عمل كبيرة حتّى تستطيع أن تستوعب أعداداً كبيرة من العمالة في محاولة لتخفيف البطالة، وفي الوقت نفسه تعطي مردوداً اقتصادياً يُساعد على تمكين المواطنين.

إنّ مصر المستقبل كما يبرز خلال المتابعات ستؤدّي الدور الأساس في الحرب ضدّ الإرهاب على مساحة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل إنّها ستكون بمثابة غرفة ومركز للعمليات ضدّ صورة حركة الإرهاب في المنطقة انطلاقاً من جهوزيّتها وموقعها الاستراتيجي، تُرى هل يسلم الجميع بقيادة مصر في تحدي ظاهرة الإرهاب، وهل يسلك الجميع الطريق نحو اتّباع الوسائل والخبرات المصرية في هذا المجال، وهل تستعيد مصر موقعها ومسؤوليتها العربية والإسلامية والأفريقية والدولية؟ أسئلة يجب أن تجيب عليها الأشهر المقبلة.