IMLebanon

ما سرّ صَمْت جعجع… في زمن الضجيج؟

دأب قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع في الآونة ما قبل الأخيرة على الإطلالات المكثفة وعقدِ مؤتمرات صحافية مختصرة ومطوّلة عند كل مفترق سياسي، فبدا دائم الجهوزية لرصد الحركة السياسية والمواقف المستجدة للخصم والحليف معاً، وذلك عبر مسارعته في الردود أو المواجهة، تارةً بتنشيط ذاكرة السياسيين ودعوتهم للعودة الى التاريخ، وطوراً من خلال تقارير مفنّدة لطالما ميّزتها نقاط مرقّمة كتبَ جعجع عناوينها العريضة بخط يده على قصاصات ورق بيضاء ليتنبّه الى ضرورة الاسترسال في مواضيع أساسية أو للتشديد على موقف أو للتذكير بتواريخ مفصلية في مسيرة الحزب المتجدد.

إلّا أنّ صمت جعجع أخيراً كان لافتاً، خصوصاً أمام المستجدات التصعيدية على الساحة المسيحية، ليتساءل البعض: كيف يُفَسَّر صمت جعجع حيال المواقف المتقدّمة لخصم الأمس ومُحاوِر اليوم؟ وما هو موقف «القوات اللبنانية» الرسمي ممّا يحصل ولا سيّما بعد تسطير «إعلان النوايا» والتأكيد أنه حجر أساس للبناء على مستقبل العلاقة بين الحزبين المسيحييَّن الأقوى على الساحة اللبنانية.

مهرجانات الأرز

أوساط قواتية تُبرّر أنّ «الحكيم كان منشغلاً بمتابعة مهرجانات الأرز فحرص على عدم التغيّب عن أيّ حفلة، فيما بدا في منتهى السعادة وكان حاضراً بكلّ حواسه، فشاركَ فيها قلباً وقالباً».

إلّا أنّ العارفين في السياسة وفي طباع قائد «القوات اللبنانية» يدركون أنّ قلبه يمكن أن يكون حاضراً في الأرز فيما عقله يعمل في مكان آخر، وتحديداً في عمق الأزمة السياسية اللبنانية، فلا يلهيه عن رصدها مهرجان من هنا أو «دبكة» من هناك.

وأن يصمت حاليّاً قائد «القوات»، فيُفسّره المراقبون كالآتي:

1 – بطبيعته يُفضّل جعجع التريّث والصمت، في البدء، أمام المواقف والخطوات التي تتخذها القيادات المسيحية، حليفةً كانت أم خصماً، وبالتالي فهو منسجم بهذا الموقف مع ذاته ومع طبيعته الميّالة إلى التأمل والتدقيق قبل الإقدام على الفعل.

2 – لم يتوجّه جعجع إلى عون بالمباشر، لأنّ ملف النزاع يتعلّق تحديداً بعون وحلفائه في الحكومة، وليست مشكلته اليوم مع «القوات»، فلماذا يتدخّل جعجع، خصوصاً أنّه خارجها!

3 – تدخّل «القوات» يثير الشارع العوني وهو لطالما فعل، والجميع يَعلم أنّ أكثر المظاهرات الضخمة التي حشد لها «التيار الوطني الحر» كانت بغالبيتها موجّهة ضد الطرف المسيحي الآخر، أي «القوات اللبنانية»، فأين مصلحة «القوات» في التدخّل في مواجهتين، أولى مع «التيار» وأخرى مع الجيش اللبناني إذا ساند عون، خصوصاً أن لا مصلحة لـ»القوات» أن يتحوّل الخلاف على التعيينات خلافاً مسيحياً – مسيحياً، ولا مصلحة لها في المواجهة مع الجيش وهو اليوم في أفضل أحواله معها منذ ما يقارب الـ 25 عاماً.

إلّا أنّ جعجع في المقابل وعلى رغم عدم ردّه المباشر على التصعيد العوني، قام بمبادرة ذكية من خلال زيارة مفاجئة إلى رئيس الحكومة تمام سلام، ليرسل من خلالها إشارتَين قويتين، واحدة لعون وأخرى لسلام.

– فهو قال للأوّل إنّ ورقة النوايا يمكن استخدامها أيضاً في الأزمات المشتركة، بالإضافة إلى الأزمات القواتية والعونية، وهو بَرهن ذلك في الزيارة عندما قام بمبادرة وساطة بين عون وسلام قد لا تكون أسفرَت عن نتائج مرئية إلّا أنّها أقلّه بَرَّدت الأجواء المتشنّجة.

– والأهمّ في زيارة جعجع إلى سلام أنّه منحَه غطاءً مسيحياً قويًاً، في الوقت الذي يبتعد عن الحكومة ويُخاصمها الغطاء المسيحي القويّ الموجود داخلها، وقد أراد الحكيم من خلال الزيارة أيضاً تأكيد الشراكة السنّية مع «القوات اللبنانية»، فعبّرَت بالشكل عن مضمونها المؤيّد حين قرّر جعجع زيارة رئيس الحكومة السنّي متجاوزاً المخاطر الأمنية، وهو بذلك يؤكّد أنّه يؤيّده ويؤيّد حكومته حتى لو كان خارجها، عوض التوَجّه بالمباشر إلى عون للقول إنّه لا يؤيّد خطواته.

إلى ذلك، لا يمكن تجاوز زيارة جعجع الأخيرة الى السعودية التي أكّدت شراكة «القوات» المسيحية مع سُنّة المنطقة، وبالتالي جاءت زيارته الى سلام لتؤكّد تلك الشراكة مع سنّة لبنان.

إلّا أنّ جعجع في الوقت نفسه عرضَ مساعيَه لإعادة التقارب بين سلام وعون لأنه يعلم أنّ الوضع لا يحتمل كسرَ العضم، والجميعُ ينشد الاستقرار.

أمّا لماذا يصمت «الحكيم» اليوم أكثر ممّا مضى، فيبدو أنّ حساباته خَلُصَت إلى أن لا مصلحة له بالكلام حاليّاً أو بإتخاذ موقف علني من التصعيد العوني، بل الانتظار والمراقبة من قمّة الجبل، خصوصاً أنّه يَعلم جيّداً أنّ العونيين لطالما اتّكلوا على العصبية القوّاتية لإنجاح تظاهراتهم والحشد لها… فإذا استطاع جعجع تدريجاً تحييدَ تلك العصبية فقد لا يحشد العونيون تماماً في مظاهراتهم وشعاراتها المرحلية… إنّما حُكماً سينجح القواتيون في استثمار وترجمة «إعلان النوايا».