IMLebanon

متى تنتهي «داعش»؟

على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية، لكلٍّ دورُه. لذلك، ومنذ اللحظة الأولى، لم يكن وارداً إسقاط الرئيس بشّار الأسد، ولا إسقاط خصومه. فالمنطقة تتعرَّض لعملية اختزالٍ للكيانات، لمصلحة كيان واحد هو إسرائيل. أما الآخرون فجميعهم أدوات لبلوغ النهايات المطلوبة.

أسَّست عملية 11 أيلول 2001 لولادة فيروس «الإرهاب التكفيري». فمَن هو أسامة بن لادن، وكيف نشأت «القاعدة»، وكيف نمَت لتضرب أعماق واشنطن، ولتكون السبب في اجتياح العراق، وكيف انتهى بن لادن؟ تلك أسئلة يبقى مبكراً جداً أن تَلقى الأجوبة.

لكنّ الواضح هو أنّ «الفيروس» تغيَّرت تركيباته – كما يحصل عادة في عالم الفيروسات – وتَحوَّل أشكالاً أخرى، أبرزها «داعش». فلولا «القاعدة»

و11 أيلول، لما كانت «داعش» وأخواتها، ولما كان الاجتياح الأميركي للعراق… وبالتأكيد، لما كان «الربيع العربي» الذي انفجَر خريفاً من الحروب الأهلية والانهيارات في الخرائط والأنظمة، ولما بدأ الحديث عن إمبراطوريات مُستعادة، فارسية وعثمانية خصوصاً، ولما بلغ الإسرائيليون حدود الكشف الفاضح لنياتهم في رفض قيام دولة فلسطينية.

إذاً، هناك «طبخة» شرق أوسطية متكاملة، جرى التحضير لها منذ سنوات. وفي تقدير محلّلين استراتيجيين، لا مجالَ للمفاجآت في هذه «الطبخة»، لأنّ المواد التي وُضِعت على النار محدَّدة، ولا يؤدي تفاعلها إلّا إلى هذه النتائج تحديداً. ومن هذه المواد، «داعش».

كان ضرورياً لبروز «داعش» أن تتوافر عناصر عدة:

1- إنهاض الإرهاب التكفيري عبر «القاعدة».

2- توليد القهر في البيئة السنّية العربية، خصوصاً في العراق، لا من خلال إعدام الرئيس صدام حسين فحسب، بل في طريقة الإعدام صبيحة عيد الأضحى.

3- الإمعان في إبقاء المعارضة السورية المعتدلة في وضعية العاجز أمام النظام، فيما الصراع ينحو مذهبياً: أقلية علوية، مدعومة شيعياً، في مواجهة الأكثرية السنّية.

في هذه الظروف، برزت «داعش» وكأنها الجسم السنّي الوحيد القادر على تحقيق الإنتصار وسط الخيبات والهزائم المتلاحقة، أو أُريدَ لـ«داعش» أن تبدو وكأنها كذلك.

في العراق وسوريا، لم يُحقِّق أيُّ مُكوِّن سُنّي قدرة على التقدّم أو الصمود سوى «داعش» ورديفاتها. وفي الوسط الدولي، لم يُقِمْ أحدٌ حساباً لأيّ طرف سنّي سوى «داعش»، إن لم يكن من باب الإنجازات العسكرية، فمن باب «الصرعات الإجرامية».

واللافت هو أنّ «داعش» إجتاحت قسماً كبيراً من العراق وجيشه خلال أيام قليلة، من دون مواجهة تُذكر، تماماً كما إجتاح الحوثيون اليمن وجيشه. فالسيناريو هنا هو إياه هناك، ولكنّ الأدوار مقلوبة سنّياً وشيعياً.

كان مطلوباً أن تنشأ «داعش» ورديفاتها لزرع العصبية السنّية في العراق وسوريا، ما يوفّر تحقيق هدفين رئيسَين:

– توفير أسباب النزاع المذهبي داخل الكيانات العربية المحيطة بإسرائيل، ما يتكفَّل بإستمرار الحروب الأهلية إلى ما لا نهاية.

– إمتلاك إسرائيل ذريعة إضافية لرفض الدولة الفلسطينية. وأمس قال بنيامين نتنياهو صراحة: «لن نسمح بدولة فلسطينية ثانية لأنها ستكون متطرفة»، علماً أنّ إسرائيل لم تسمح بقيام «الدولة الفلسطينية الأولى» أساساً!

ولم يقرِّر الأميركيون مواجهة التنظيم إلّا عندما بدأ يُهدِّد المنطقة الكردية. فالضربات الجوية هي لوضع «داعش» عند حدِّها، أو لرسم الحدود لها. وأما القضاء على التنظيم فلن يتحقَّق قبل أن تُستنفد الأهداف التي كان من أجلها.

وهناك مَن يعتقد أنّ الهجمة اليوم على «داعش»، من العراق وسوريا إلى لبنان والأردن، تؤشر إلى نهاية المرحلة الأولى من المهمات المطلوبة من هذا التنظيم، وإطلاق مرحلة «الربيع العربي» الثانية. لكنّ كثيراً من المحللين يعتقد أنّ الضربات التي تتعرّض لها «داعش» ستضعها داخل الحدود المُباحة لها، لا أكثر ولا أقل. وهذا ما يُسهّل عمليات الفرز المنتظَرة.

وأياً يكن الأمر، فإنّ «داعش» لن ترحل عن المسرح قبل إستنفاد دورها تماماً. وكما كان ظهورها الأسطوري مجرد خدعة إقليمية – دولية، فكذلك سيكون إعدامها، عندما يُتَّخذ قرار الإعدام. وقلائل هم الذين يمتلكون أسرار الروزنامة في الشرق الأوسط.