IMLebanon

متى نطلق المواجهة العامة؟

تتصاعد تدريجياً لهجة الخطاب الإيراني ضد أميركا والغرب نتيجة الخداع الديبلوماسي وعدم توقيع الاتفاق النووي. هناك شبه إجماع عالمي على أن الأمور التقنية لم تكن عائقاً أمام هذا الاتفاق. هناك ابتزاز أميركي لإيران، وهناك مراعاة لمصالح حلفاء الغرب، وهناك عدم الثقة طبعاً واستمرار إيران بهجومها السياسي في قضايا المنطقة ومشكلاتها. ولا يريد الغرب بالتأكيد الانفراج لإيران بحيث تزيد من نشر نفوذها السياسي والعسكري. فترة الستة الأشهر لتمديد المفاوضات عملياً هي لترتيب ملفات أخرى من اليمن إلى البحرين ومن العراق إلى سوريا.

لكن اللافت ان الحرب على «الإرهاب» تراجع ضجيجها برغم وقوع أحداث في فرنسا وغيرها والاستنفار الأمني المؤكد في الغرب. أما «داعش» فيعلن باستمرار عن انضمام العديد من المجموعات «الجهادية السلفية» في أكثر من بلد عربي وليس هناك من متابعة جدية على مستوى هذه التحديات.

لم يعد مهماً الآن من أطلق «داعش» بل المهم كيف يُستخدم وما هي الطموحات التي بدأ يكشف عنها وتمتد تجاه دول أخرى. هذه البرودة الغربية ليست ارتباكاً كما نظن بل هي منهجية لجعل المنطقة تفرغ كل مشكلاتها وقضاياها وتوازناتها لتصل إلى الإنهاك الشامل. دول الخليج النفطية تدفع ثمن المواجهة الاقتصادية كما تدفع إيران وروسيا. ومصر الآن لا تتنفس الصعداء للتعامل مع أمنها القومي على مستوى أبعد من الإرهاب، فضلاً عن مشكلاتها الاقتصادية. والعراق أصبح ثلاث دوائر مختلفة للهموم، واليمن أسس ليس فقط للفوضى بل كذلك لخلق جبهة جديدة للمملكة العربية السعودية. أما فلسطين التي تعود بزخم إلى الرأي العام الدولي فتزيد العقوبات والحصار على شعبها لتجويف إمكانية صمودها وانشغال العرب عنها بمشكلاتهم الخاصة. استبشرنا خيراً بردة الفعل العربية من مواقع مختلفة وشاملة على «الإرهاب» وتوقعنا أو أملنا أن يتحول إلى «صحوة حقيقية» باعتباره يخص مجتمعاتنا قبل الآخرين، وباعتبار التجارب السابقة ومنها «القاعدة» كيف يمكن ان تأخذ مسالك خارج السياق الذي تمت رعايتها فيه. لكن مركز الثقل في النشاط الفكري صدر ويصدر عن جهات ليست لها شرعية الآخرين وفاعليتهم لمواجهة هذا الزلزال الذي يضرب المناخ الإسلامي العام ببيئته الأكثرية، هناك تحوير كبير للأزمة حين تصبح «القاعدة» في حرب مع الحوثيين، أو إيران وأذرعها هي الطرف القتالي دون سواها. أو ان تكون «أقليات» أخرى هي التي تتصدر المشهد العسكري أو السياسي.

إذا اعترفنا بأن الأزمة في الإسلام السياسي بتشعباته وتراكماته التاريخية وإعادة إنتاجه في مجتمعات مغلقة، فإن مسؤولية الغرب تبقى غير مباشرة عن استخدام هذه التناقضات بينما المسؤولية الفعلية والرئيسية على العرب والمسلمين المعنيين باجتماعهم السياسي. ولقد بات مؤكداً أن هذه الظاهرة لا تعالج فقط على المستوى الأمني والعسكري بل من خلال إعادة بناء الوعي العربي والإسلامي بالمشكلات التي يعاني منها ووسائل حلها. في المدى المنظور العرب والمسلمون والغرب ما زالوا يتعاملون مع «الإرهاب» كشذوذ أفرزته ظروف مختلفة. أما حاجة الغرب فهي إلى حد بعيد محدودة في التدابير الأمنية المتشددة وفي تبرير تدخله وسياساته المعادية للعرب والمسلمين. أما المسلمون فالمسألة بالنسبة لهم بحجم إعادة تكوين عيشهم وحياتهم وأمنهم واستقرارهم وتقدمهم الاجتماعي. ولأن المسألة بهذا الحجم ولم تزلزل الوعي العربي بالقدر اللازم، فإنها ستظل جزءاً من النزاعات العربية والإسلامية ويظل التعامل التكتيكي مسيطراً بينما يتغلغل الإرهاب والإسلام السياسي الذي يستظل به إلى زمن طويل. وإذا كان يصعب في هذه الظروف توقع عمل عربي مشترك، فلا أقل من أن تنهض القوى المعنية بهذه المواجهة بحلول لبلدان ما زالت تتوافر فيها القوى المدنية وتنشئ جبهات واسعة لمكافحة هذه الثقافة الظلامية.