IMLebanon

أين «يلتقي» جنبلاط والسفيرة الأميركية؟

يسجل الوضع المالي المزيد من التعقيدات رغم كل مساحيق التجميل التي يحاول المسؤولون الماليون استخدامها للتغطية. لكن المشكلة الأكثر تعقيداً في هذا الملف، ان لا حلول اقتصادية في معزل عن السياسة، ومع السياسة لا تلوح في الأفق بوادر حلول.

«أنصح باللقاء مع حاكم مصرف لبنان لدراسة كل الاحتمالات والاطلاع على كل الاوضاع». بهذه الكلمات أراد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط أن يُلفت الى خطورة الوضع المالي في البلد. وهو يدرك ان ما قد يقوله حاكم مصرف لبنان لأي مسؤول، سيكون كافيا لاستيعاب المرحلة التي بلغها الوضع المالي من الدقة.

في موازاة كلام جنبلاط، الذي قد يُقال انه كلام فيه قدرٌ من السياسة، على اعتبار ان سيد المختارة من المؤيدين لانهاء الجدالات العقيمة حول السلال، وانجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن، وبالتالي قد يفسّر كلامه بأنه نوع من الضغط على المماطلين في الملف الرئاسي، فان التفسير نفسه لا يمكن أن يُعطى لكلام السفيرة الأميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد، التي حرصت منذ استلامها لمهامها في بيروت، على التركيز على الوضع الاقتصادي، بالتماهي مع الوضع الأمني.

وهي بهذا الاصرار، كمن يريد أن يلفت الى أن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، لا يقل خطورة عن الوضع الأمني. وفي آخر مواقفها، شددت ريتشارد الى ان الولايات المتحدة ستكون الى جانب لبنان في مواجهة التحديات المرتبطة بالاقتصاد.

وكان لافتا في هذا السياق، تحذيرها من ان لبنان لا يستطيع ان يعيش منعزلا في عصر العولمة، وحتى الولايات المتحدة لا تستطيع رغم حجمها ان تفعل ذلك، فكم بالحري دولة في حجم ومعطيات الدولة اللبنانية؟

هذا الكلام استتبعته ريتشارد بدعوة السلطات الى إصدار التشريعات الضرورية لضمان بقاء لبنان مرتبطا بالنظام المالي العالمي والسوق المعولم. وهي بطبيعة الحال، كانت تشير الى القوانين المطلوب إقرارها في مجلس النواب اللبناني، لضمان عدم تعرّض البلد الى عقوبات قد تفرضها منطمة التنمية الدولية، ارتباطاً باتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية.

هنا أيضا تبرز الاشكالية السياسية، على اعتبار ان موافقة الاطراف على السماح بالتشريع قبل انتخاب الرئيس، ومن دون ان يكون قانون الانتخابات بندا أول على جدول اعمال اي جلسة تشريعية، من شأنه أن يزيد الامور تعقيداً.

في عودة الى كلام جنبلاط، ونصيحته بمراجعة رياض سلامة حول حقيقة الاوضاع، لا بد من الاشارة الى أن الوضع المالي يمر بمرحلة دقيقة يعرفها حاكم المركزي جيدا، وقد اضطر الى اللجوء الى ما سُمي هندسات مالية، لسد الثغرة التي ظهرت في الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان، ودفع فوائد مرتفعة نسبياً لاغراء المصارف والاثرياء لجلب كمية من النقد النادر الى البلد.

وقد بدأت أزمة دول الخليج المرتبطة بالنفط تظهر بوضوح في حجم التحويلات التي تتراجع باضطراد، وهي لم تبلغ القعر بعد، وبالتالي، فان المزيد من التراجع قد يكون متوقعا في الفترة المقبلة.

في المقابل، لا يزال العجز في الخزينة يرتفع نتيجة زيادة الانفاق وتراجع الواردات. هذا يعني ان كتلة الدين العام سوف ترتفع بسرعة أكبر في الاشهر القليلة المقبلة.

وقد تجاوز حجم الدين حتى الان، مع احتساب بعض المطلوبات غير المدرجة في اللائحة الرسمية، اكثر من 72 مليار دولار. ومن المعروف ان المخاطر المالية لا ترتبط حصرا بحجم هذا الدين، بل بحجم الاقتصاد وادائه، وطريقة ادارة الدين، ومصدره، والأفق في احتوائه في المستقبل.

وبالمناسبة، يُلاحظ ان اوضاع الدول المالية لا تُقاس بحجم كتلة ديونها، بدليل ان الدين الاكبر في العالم تحمله الولايات المتحدة الاميركية، صاحبة أقوى اقتصاد عالمي دون منازع. كذلك فان القاء نظرة على خريطة الديون التي تحملها الدول، (الصورة) يؤكد هذا الواقع.

من هنا، يبدو الدين العام اللبناني على جانب كبير من الخطورة، والحلول ليست مالية ولا اقتصادية، بل سياسية، وهذا ما يدفع ربما الى مزيد من التشاؤم في الصورة التي سترتسم على المستويين المالي والاقتصادي في الايام المقبلة.