IMLebanon

مِن أين أدخل في… «الجدول»؟

أنتَ أصبحت صحافيّاً. فرِح بك الوالد و«يا فرحة أمّك فيك». أنت الآن تكتب في جريدة. أنت تُريد أن تنضم إلى نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة. أهلاً أهلاً. أنت الآن لا يُمكنك ذلك. لِمَ؟ الجواب ببساطة: «لأن هيك». جدّياً، لأنّ هناك «بدعة» اسمها «فتح الجدول». النقيب السابق، الذي ظلّ نقيباً مدّة نصف قرن، اخترع هذه الحكاية، خلافاً للقانون، وأصبح «عُرفاً» ألا يُضاف إلى جدول النقابة أيّ وافد جديد إلا بعد «فتح الجدول». حتى ولو استكملت كافّة الشروط القانونيّة، وكنت مِن نجوم المهنة، فلن تُقبل إلا بعد «الفتح». يُمكن أن يتكدّس اسمك إلى جانب مئات الأسماء، مِن المنتظرين مثلك، فتنتظر سَنة، وربّما خمس سنوات، إلى أن «يُفتَح». الحديث عن هنا عن الجدول الذي، بحسب نص القانون، يجب أن تجتمع لجنته مرّة كلّ شهر، لتبتّ الأسماءَ المعروضة أمامها. هذا ما لم يكن يحصل. رحل النقيب السابق، وجاء النقيب الجديد، ومعه «العدّة» العتيدة، ووعود بأنّ الأشياء ستصبح أفضل. لكن مع ذلك، ظلّت بدعة «فتح الجدول» قائمة. عام 2012 رأى النقيب الحالي، في بيان، أنّه «يتعيّن على الزملاء الذين تقدموا بطلبات انتساب، من دون بتّها لعدم انعقاد لجنة الجدول منذ عام 2008، المبادرة إلى سحبها والتدقيق في الوثائق المرفقة بها للتحقق من صلاحياتها، وكذلك تجديد إفادتي العمل والضمان الاجتماعي». ما سلف ليس طرفة. هكذا تجري الأمور.

مقالات مرتبطة

انتخابات «نقابة المحرّرين»… إيه، وشو يعني؟ محمد نزال

حكاية «فتح الجدول» هذه لم تأتِ مِن فراغ. مَن كانوا خلفها ليسوا أغبياء. أيّ وافد جديد إلى النقابة إنّما يعني «دماً جديداً». ولو احتمالاً. كيف يُمكن أن يُخبر أحدٌ النقابة أنّها ملزمة، قانوناً، وبداهة، بأن تقبل مباشرة كلّ وافد جديد، بلا منّة وبلا «واسطة» وما شاكل؟ كيف تكون فكرة كهذه «عويصة» على الفهم؟ هذا ولا نتحدّث عن لزوم أن تبادر النقابة، بنفسها، إلى تشجيع الصحافيين الجدد على أن ينضموا إليها. هذا مِن الترف. قبل سنوات، كان هناك زملاء يعملون في وسائل إعلاميّة مختلفة، ينظمون الاحتجاجات ويعقدون المؤتمرات ويرفعون الأصوات، لم يكن لهم إلا هذا المطلب: أن ينضموا إلى «نقابة المحرّرين». تكرّم عليهم آنذاك نقيب «نقابتهم» ومعه نقيب الصحافة، الشريك حكماً بحسب القانون في لجنة الجدول، بوعد أنّ الجدول سيُفتَح قريباً. كأنّها «دكّانة أبوهم»، يقول صحافي غاضب. صحيح أنّ الدخول إلى النقابة «مش أكلة» أبداً، خاصّة في الوضع الحالي، إلا أنه حقّ وليس لأحد أن يمنعه عن مستحق بحجّة «عدم الفتح». لم يعد سرّاً أنّ جدول النقابة حوى، وما زال، أسماء أشخاص لا يعملون في «التحرير». يُحكى أنّ بنات سائق لنقيب سابق، مسجّلات في الجدول، رغم أنّ إحداهن تعمل في الخياطة، وأخرى في مكتبة، وهكذا. هناك مبلغ مالي سنوي، يصل إلى «أبناء الجدول» (سابقاً بعضهم، بحسب المحسوبيّة، وذلك قبل أن يُثير المشكلة الراحل عرفات حجازي فتتعدّل الأمور). يأتي هذا المبلغ تحت عنوان «إعانة» وما شاكل، وبالتالي تُصبح العضويّة هنا بمثابة «تنفيعة» أو «سبّوبة» (باللهجة المصريّة). هناك أشخاص على الجدول، الآن، رغم أنّهم في حيّز «العدم». بات يُمكن القول إنّ من لا تجد له اليوم مقالاً، في أرشيف الإنترنت، فإنّه ليس موجوداً. هناك من يحمل صفة كاتب، وبذلك دخل «المهنة» يوماً، ومع ذلك لم يكتب مقالاً واحداً في حياته. سابقاً كانت «الواسطة» في الدخول إلى «جنّة الجدول» أكثر وقاحة. حصل أخيراً بعض التصحيح، إلا أنّ المنظومة، بروحيّتها، ما زالت هي نفسها. «يتكرّم» الموقع الإلكتروني لوزارة الإعلام، في إحدى زواياه، بنشر النظام الداخلي للنقابة.

يعد أحد أعضاء مجلس النقابة بتنقية إضافيّة للجدول بعد الانتخابات المقبلة

يحمّله الباحث ويأخذ ما فيه على أنّه «ثقة». يتبيّن، لاحقاً، أنّ النظام المنشور على الموقع الرسمي إنّما هو النظام القديم الصادر قبل نحو 40 عاماً. أين النظام الجديد؟ كأن الوزارة لا علم لها به. كأنّها هي نفسها «مش قابضة» النقابة، بواقعها الحالي، وهذا ما بات واضحاً. أحد أعضاء مجلس النقابة الحاليين، قال، في معرض الدفاع عن ولاية «النقابة» الحاليّة، إنّه «خلال السنوات الأخيرة شطبنا نحو 250 اسماً من الجدول، بعدما تبيّن أنّ بعضهم لم يعد يعمل في المهنة من زمن بعيد، أو أن بعضهم توفي، فقمنا بتنقية الجدول الذي كان يحتاج إلى تنقية فعلاً». ألم يعد يحتاج إلى ذلك الآن؟ يُجيب: «بلى، وبعد الانتخابات سيكون هناك ورشة تنقية أخرى». يوجد اليوم نحو 1200 اسم مسجّل، بحسب العضو المذكور، بينهم 727 من الذين سدّدوا اشتراكاتهم، وهؤلاء فقط هم الذين يحق لهم أن يُشاركوا في انتخابات النقابة يوم الخميس المقبل (6/12/2018). هناك 37 مرشحاً لعضوية المجلس، والشائع أنّ ثلاثة منهم يطمحون إلى أن يصلوا إلى منصب النقيب (منهم النقيب الحالي).

هناك حكاية عن «الكار» الإعلامي يتداولها بعض الزملاء، قاسية نوعاً ما، ولا يسهل أن تُروى علناً. يقولون: كان أحد أصحاب الصحف (يُقال إنّه أصبح نقيباً في وقت لاحق) يُرسل أعداداً مِن صحيفته إلى سوريا، وكان ذلك في زمن الوجود السوري في لبنان. لم يكن أحد يقرأ تلك الصحيفة، وبالتالي فإن استقبال أعدادها كان بمثابة «الدعم» (يمكن اختيار توصيف آخر). ذات يوم طلب «النقيب» من مسؤول أمني سوري رفيع أن يزيد الأعداد، وبالتالي يزداد «الدعم» إيّاه، فأجابه الأخير: «طبعاً، لدينا الكثير مِن الحمّامات لنمسحها». بصرف النظر عن تاريخيّة هذه الحادثة، إنّما تداولها على ألسن صحافيين، اليوم، لا يخلو مِن دلالة.