IMLebanon

أيّ كتل نيابية تبادر الى تعديل الدستور؟

 

في نيسان 1966 إختار رئيس الجمهورية شارل حلو الرئيس عبدالله اليافي لتأليف حكومة، على رغم حصول الرئيس رشيد كرامي على العدد الأكبر من الأصوات خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة يومها. لكن بعد تعديل الدستور عام 1990 أصبحت الاستشارات النيابية مُلزمة بنتائجها لرئيس الجمهورية. هذه إحدى التعديلات التي يعتبر البعض أنها أحدثت خللاً في انتظام المسار المؤسساتي، فيما يرى المدافعون عن «اتفاق الطائف» أنها عدّلت النظام اللبناني ليكون برلمانياً فعلاً لا رئاسياً مثلما كان قبل 1990.

 

عند كل استحقاق دستوري يلوح شبح الفراغ، خصوصاً بعد التجربتين الأخيرتين المريرتين: فراغ كرسي رئاسة الجمهورية لنحو سنتين ونصف السنة، وتمخُّض المولود الحكومي الأخير للرئيس سعد الحريري من رحم النزاعات والمناكفات السياسية لنحو 8 أشهر قبل أن يُبصر النور.

 

البعض يرى أنّ هناك فراغاً في الدستور يؤدي إلى مثل هذه «الفراغات». وعند كل استحقاق تتبادل القوى السياسية الرئيسية الاتهامات، وتطالب بضبط المسار الدستوري منعاً لحدوث أزمات كهذه وإنما «عالقطعة» وبما لا يمسّ «الطائفة».

 

حسب الدستور، يتطلّب البحث في تعديل دستوري وإقراره نصاب ثلثي أعضاء مجلس النواب وأن يكون التصويت بالغالبية نفسها. وبعد مرور نحو 3 أشهر على ولادة الحكومة ونيل كل جهة حصتها، إنخفض مستوى التشنج السياسي ـ الطائفي، فأيّ كتل نيابية من الكتل الرئيسة في المجلس ستبادر إلى طرح تعديلات على مواد دستورية لتوضيحها وإبعاد تطبيقها من استنسابية السياسيين؟

 

«القوات»

 

بالنسبة إلى «القوات اللبنانية» (تكتل «الجمهورية القوية») إنّ «أي طرح لتعديل الدستور يتطلب توقيتاً سياسياً ويحتاج توافقاً بين كل القوى السياسية المعنية، وأن يكون الهدف منه انتظام عمل المؤسسات وتلافي أي أزمات سياسية مثل التي شهدناها، وتنقية الحياة السياسية وتصحيح شوائب دستورية أظهرتها الممارسة أيضاً».

 

أمّا أي تعديل دستوري في الجوهر فترفضه «القوات» التي تعتبر أنّ «هناك اتفاقاً موجوداً وهو «اتفاق الطائف»، ولم يُطبّق بشقه السيادي بالنحو المطلوب كذلك لم تُطبّق كل مواده.

 

وبالتالي، فإنّ الأولوية هي في تطبيق هذا الاتفاق الذي حالت مجموعة عوامل وظروف في طليعتها الوجود السوري في لبنان دون تطبيقه. وحتى بعد خروج الجيش السوري، استمرت الممارسة نفسها بفعل عدم القدرة على تطبيق هذا النظام في ظل وجود سلاح خارج الدولة».

 

لذلك، تعتبر «القوات» أنّ «الأولوية هي لتطبيق «اتفاق الطائف»، وبعدما يُصار إلى تنفيذه يتم البحث في تعديلات دستورية لمنع حدوث أزمات عند كل استحقاق، شرط أن لا تؤثر على التوازنات الطائفية والسياسية في البلد».

 

«المستقبل»

 

من جهته، لا يعتبر تيار «المستقبل» أنّ «أي دستور هو دستور مقدّس»، لكنه متمسّك بـ»اتفاق الطائف» لأنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري يُعتبر من آبائه ولأنّ «استكمال تطبيق «الطائف» قد يوصلنا إلى الاستقرار، ولاسيما منه المواد المتعلقة بإنشاء مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية السياسية».

 

ويشدّد «التيار» على أنّ «أي تعديل مُمكن أن يُجرى يجب أن يكون من خلال مجلس النواب في ظروف هادئة بلا ضغط». لكنّ الإشكال الكبير بالنسبة إلى «المستقبل» هو «أنه بمجرد فتح الباب لأي تعديل، سيُقال انّ تعديل نص واحد يخدم مصلحة الجهة التي طرحته، وإنّ تعديل مادة واحدة سيفتح الباب أمام طرح تعديل الدستور بكامله».

 

أما إذا كان طرح التعديل مُقتصر فقط على تحديد مهلة لرئيس الحكومة المُكلف تأليف الحكومة، فهذا ما لا يقبل به «التيار الأزرق»، ليس لأنه يمسّ بالطائفة السنية بل لأنه يحدث خللاً بـ»اتفاق الطائف» والصيغة اللبنانية».

 

«حزب الله»

 

على الخط السياسي المُواجه، أسرّ «حزب الله» (كتلة «الوفاء للمقاومة») غير مرة أنّ هناك حاجة الى تعديلات دستورية، لكن حين وجد أنّ ردة فعل الأفرقاء الآخرين سلبية، سحبَ هذا الطرح.

 

وفي ظل التخوّف من إسقاط «الصيغة اللبنانية» للوصول إلى «المثالثة وما بعد المثالثة»، يفضّل «الحزب» عدم المبادرة الى طرح أي تعديل دستوري، ويكتفي بـ«الموافقة على تعديل يحظى بإجماع كل القوى السياسية اللبنانية، من دون أن يكون هو المبادر الى الطرح».

 

«التيار الحر»

 

حتى «التيار الوطني الحر» (تكتل «لبنان القوي») أبرز المعارضين لـ«اتفاق الطائف» لا يبدو أنه في وارد طرح أي تعديلات دستورية، على رغم من أنه يعتبر أنّ النظام اللبناني يحتاج تطويراً، ولقد ذكر ذلك في الورقة السياسية التي أعلن عنها في مؤتمره التأسيسي في 17 آذار الماضي، فلا يخفي «التيار» رؤيته لـ«هذا النظام الذي لا يملك فعالية كافية ويجب أن يتطوّر ليُصبح نظاماً منتجاً».

 

لكنّ أولويات «التيار» في المرحلة الراهنة مختلفة، ويفضِّل أن يؤجِّل الورشة الدستورية لأنه في خضمّ «ورشة النهوض بالاقتصاد وانطلاق الحكومة بإنتاجية».

 

وقبل سنتين من الآن على الأقل لن يركّز «التيار» إلّا على «الشأن الاقتصادي الذي يجب أن يطغى على كل شيء آخر». إلّا أنّ البعض لا يوافق «التيار»، فيعتبر أنّ الدستور المنبثق من «اتفاق الطائف» من المسبّبات التي أوصلت لبنان إلى هذه الحال، وأنّ الورشة الإصلاحية يجب أن تبدأ من الدستور، تنفيذاً وتعديلاً حيث يقتضي الأمر.

 

وفي المقابل، يدافع «الطائفيون» عن التعديلات الدستورية (21/ 9 / 1990) إنطلاقاً من أنها أتت بعد حرب أهلية دامية، وأنّ هذا الدستور يحفظ الاستقرار الطائفي ـ السياسي، فإنّ كلّ طرح لتعديله يثير مخاوف لدى الطوائف ويعرّض الاستقرار للاهتزاز.

 

ويرى هذا البعض «أنّ الخلل لا يَكمن في النصوص الدستورية بل في الأشخاص غير المؤهلين للحكم الذين يتولّون السلطة، ويجب أن يُستبدلوا بمؤهّلين، لا أن يُصار إلى تعديل الدستور».

 

في المحصّلة لا اقتراح تعديل دستوري مرتقباً من أي جهة سياسية، على رغم من أنّ أزمات الفراغ قابلة للتكرار ومن أنّ كل جهة «تصوّب» على الدستور فقط خلال الأزمة.

 

ويقول معارضون: «هذا الدستور يحفظ استمرارية حكم الطبقة السياسية نفسها تحت حجة حفاظه على خصوصية الطوائف، لذلك مهما هاجموه وانتقدوه فإنهم لن يعدّلوه».