IMLebanon

الثور الأبيض والثور الأسود  

إنتهت الأحداث اللبنانية نظرياً بالهجوم بالطيران على قصر بعبدا في 13 تشرين الأول الشهير 1990 لينقلب وجه لبنان نهائياً في تغيير جذري هائل لم تستطع عليه الحرب رغم ما تخللها من ضراوة وما شارك فيها أقربون وأبعدون من سوريا وإسرائيل وقوات المنظومة الإشتراكية التي لم ينفك وليد جنبلاط يوجه اليها الشكر كونها حققت له بعض مطامحه في حرب الجبل.

فتح اللبنانيون عموماً، والمسيحيون خصوصاً، أعينهم على مشهد لم يألفوه منذ الاستقلال، بل منذ زمن الإنتداب. وإذا بهم يفتقدون قياداتهم فلا يجدونها: ميشال عون في السفارة الفرنسية تمهيداً للنفي الطويل، أمين الجميل تبعه، داني شمعون شهيداً، ولاحقاً سمير جعجع في الزنزانة!

فظيعاً كان المشهد، إلاّ أن «الفظاعة الكبرى» اكتشفها المسيحيون عندما وجدوا أنفسهم «عَ الأرض يا حَكَم» فلا قيادات ولا صلاحيات… و«الترويكا» تتحكم بالبلد. والضلع المسيحية هي  أضعف أضلاعها الثلاث.

خمس عشرة سنة حرباً لم تستطع أن تقلب وجه لبنان، ولا أن تسقط العملة الوطنية بشكل حاد… بينما تكفلت أيام محدودة من «الوجه الجديد» أن «تحقق ذلك كلّه … وتحوّلت «عنجر» الى الأستانة الجديدة!

إكتشف المسيحيون هذه الحقيقة باكراً، ولم يلبث أن اكتشفها المسلمون متأخرين… ولكنهم اكتشفوها. والذين ظنّوا أنهم «انتصروا» بالسقوط المسيحي اكتشفوا لاحقاً أنهم أكثر ما ينطبق عليهم مثل الثور الأبيض والثور الأسود.

شدّدت الوصاية قبضتها على البلد من خلال وجود مخابراتي / عسكري صارم يستبيح كل المحرّمات، ويحرم ما يشاء من المباح والمحلّل… وكان التهافت على عنجر تذللاً في معظمه، حيث سفحت الكرامات، وكانت »الهدايا« تراوح بين الأصفر الرنّان، والأخضر المتراكم أكداساً، و«اللحم الشهي» (ولن نسمح لأنفسنا أن نزيد أو نوضح أكثر…) وبعض حاملي الهدايا يتحدث اليوم ضد الوصاية بما ينطبق عليه كلام المرحوم سعيد تقي الدين عن تلك التي تحاضر في العفّة!

وتحوّل البلد الى سوق مفتوحة على كل ما يناقض ذلك اللبنان الذي عرفه جيلُنا (للمناسبة كان أولادي يسألونني: لماذا تحب هذا اللبنان الذي لم نرَ فيه إلاّ السلبيات و… و…؟ وكنت أجيبهم: ان لبنان الذي أحببت هو غير هذا اللبنان« (…) وقال لي مرجع كبير ذات يوم: أنتم الفريق المسيحي، لقد لزمكم نحو 45 سنة حتى تسقطوا لبنان، فقلت له: ربما. أما أنتم فأسقطتموه في  45 دقيقة!.

وسرعان ما تبين ان المطلوب عبيد وليس أصدقاء أو حلفاء. وسيتضح للفريق الذي ظن نفسه منتصراً أن الدور آت…

وقد أتى على الجميع، بشكل أو بآخر، مع أنه لم يقصّر سابقاً (كمال جنبلاط، بشير الجميل، الشيخ صبحي الصالح، المفتي حسن خالد الخ…).

وكان الزلزال الذي أصاب السنّة: إغتيال رفيق الحريري.