IMLebanon

مَن… بَعد «الكتائب»؟

في الماضي، كانت استقالة وزير تخضّ البلاد وتقلبُ معادلات وتطيح بحكومات وتُعتبَر خاتمة الحلول عندما يقف أرباب السياسة عاجزين عن الحلول، أمّا اليوم فقد تُحرّك بعضُ القرارات التي تؤخَذ في لبنان الحياةَ السياسية، إنّما القرار الذي اتّخَذه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل لجهة استقالة الحزب من الحكومة، لم يُحدث «الضجيج الوطني» أو يُصِب الهدف، بل إنّه لم يحقّق أهدافاً سوى في مرماه، بالإضافة إلى أنّ الجميّل بدا وكأنّه يغرّد وحيداً.

جاء تمرّد وزير العمل سجعان قزّي، الوزيرُ العتيق في الحزب العريق، ليزيدَ الطين بلّة، عندما رفضَ «الاستقالة من المسؤولية»، معتبراً أنّ الانسحاب في الوقت الحاضر خطأٌ وطنيّ بحقّ المدرسة الكتائبية العريقة، وأنّه شريك عتيق في صنعِ القرارات الكتائبية.

وإنّه بعد نضال طويل لا يَقبل بأن يكون «منفّذاً لقرار»، في الوقت الذي يتساءل البعض الآخر، هل مشاركة قزّي أصلاً في الحكومة كانت خيارَه هو؟ أم خيارَ الحزب؟

ثلاثة أسئلة فاصلة، أجاب عنها قزّي، في دردشةٍ مع «الجمهورية»، كانت كافية لتؤكّد عزمه على رفض استقالته من الحزب، ولعلّ السؤال الأبرز كان عن رأي الرئيس أمين الجميّل، الصديق القديم والمقرّب منه، في المستجدّات، وعمّا إذا كان نقلَ إليه الأسباب التي جعلته يتمرّد على قرار الرئيس الحالي للحزب؟ يقول قزّي أنّه بالتأكيد فعلَ ذلك، إلّا أنّه يفضّل إبقاءَ الحديث الخاص الذي تمّ بينه وبين الرئيس أمين الجميّل خارج المداولة، وبينهما فقط.

أمّا عن رأيه إذا كانت المشهدية نفسُها ستحصل فيما لو كان الرئيس الجميّل ما زال رئيساً لحزب الكتائب، أجاب قزّي: بالطبع لا، لم تكن لتحصل.

مَن التالي؟

ومَن بَعد الكتائب؟ يقول قزّي أن «لا أحد برأيه سيَستقيل بعد حزب الكتائب، لأنّ الوزراء المسيحيين الباقين يتمسّكون بحقائبهم، ولأنّ الحكومة أساساً ليست حكومةً فعلية ولا الوزارات حقائبُ فعلية، بل لأنّ الحكومة تُعتبَر اليوم مجلس إدارة لِما بقيَ مِن شرعية في لبنان، والحُكم عليها لم يَعد بالنجاح أو الفشل بقدر ما هو حُكم بالوجود أو عدمِه… وهي غائبة، لذلك لن تغيّر وَجه لبنان، بل دورُها اليوم هو فقط لتصريف الأعمال ولإبقاء الشرعية في لبنان حتى يجيء موعد الانتخابات، معتبراً أنّ الفساد الموجود في الحكومة هو انعكاسٌ للفساد الموجود عند القوى السياسية التي أوصَلتها إلى ما هي عليه، وليس الوزراء بحدّ ذاتهم هم الفاسدون، ولذلك أنا مصِرّ على تصريف الأعمال.

وفي السياق، ترى أوساط متابعة أنّ المبرّرات التي أعطيَت لسبب الاستقالة اليوم هي نفسُها كانت موجودة عند موافقة حزب الكتائب على المشارَكة في الحكومة في الأمس ولم تتغيّر، فالمحاصَصة والعمولات والسمسرات التي فاقمت أزمة النفايات، وغيرُها من القضايا المثيرة للجدل داخل الحكومة ما زالت قائمة، لافتةً إلى أنّ الاستقالة قد تؤثّر فقط فيما إذا كان هناك شيءٌ جديد يحضّره الحزب أو خطواتٌ معيّنة ستُتّخذ لاحقاً أراد الحزب لفتَ النظر إليها من بوّابة الاستقالة من الحكومة، لا سيّما بعد نتائج الانتخابات البلدية.

وقد استوقف البعضَ قولُ النائب سامي الجميّل بأنّه أراد الاستقالة لأنّ الحكومة لم تعُد تشبه حزبَ الكتائب، متساءَلين، إنّه لو أسنِدت حقيبة الوزير قزّي أو حكيم إلى وزراء «حزب الله» هل ستُشبه حينها حزبَ الكتائب؟

وعمّا إذا كان تغييبُ حزب الكتائب عن قرار كبير هو المسبّب في ردّة فعلهم الفورية والحاسمة، أضافوا: أمّا إذا كان هناك تهميشٌ للوجود المسيحي داخل مجلس الوزراء أو كانت الصفقات تمرَّر خارج مجلس الوزراء، فلماذا لم يَعقد الجميّل لقاءات مع الوزراء المسيحيين داخل الحكومة قبل تقديم الاستقالة لتقديم موقف موَحّد، ألم يكن حينَها وقعُ الاستقالة أكبر ولها صدىً أقوى؟

تساؤلات كثيرة عن وضعِ حزب الكتائب تشغل اليوم الوسط اللبناني والإعلامي غيَّبت تساؤلاتهم عن سبب استقالة الكتائب الفعلية من الحكومة، ومنها:

1– هل هناك خلافات داخل المكتب السياسي في حزب الكتائب؟

2– هل العمل الحزبي داخل حزب الكتائب أصبح ديموقراطياً لدرجة أنّها أصبحت قادرة على تحمّلِ انتفاضة داخلية ضمنَها؟

3– هل كان يَنقص حزب الكتائب اليوم خضّة داخلية تنعكس سلباً عليه وتُحدث بَلبلة في صفوف حزب الكتائب. عوض إحداثِها في الحكومة؟

المرجع الدستوري بول مرقص علّقَ دستورياً على وضع الاستقالة، موضحاً لـ«الجمهورية» أنّ الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور صريحة لناحية أنّ مهامَّ رئيس الجمهورية قبول استقالة الوزراء بالاتّفاق مع رئيس الحكومة، وبالتالي لا يمكن قبول استقالة الوزراء بالاتّفاق مع رئيس الحكومة إذا لم تكن مقدَّمة خطّياً، لأنّه سيبنى عليها في حال إنفاذها وإعطائها المفعولَ الدستوري وصدور مرسوم موقّع من رئيس الجمهورية ومن رئيس الوزراء.

أمّا في الحالة الراهنة ونظراً لتفريغ رئاسة الجمهورية، تُعتبَر هذه الصلاحية المعطاة للرئيس صلاحيةً شخصية لا تنتقل إلى مجلس الوزراء أسوةً بسائر الصلاحيات».

وأشار إلى أنّ «الصلاحية هي صلاحية شخصية تَستوجب اتّفاقاً مع رئيس الحكومة، وغيرُ قابلة للانتقال إلى مجلس الوزراء مجتمعاً كي يرأسها عن رئيس الجمهورية، على غرار سائر الصلاحيات التي يمارسها بالوكالة وفقاً للمادة 62 من الدستور، وهذه الصلاحية لا تنتقل إلى مجلس الوزراء في حال عدمِ وجود رئيس للجمهورية، إذ ليس ثمّة مرجعية دستورية لقبول هذه الاستقالة، لأنّ الوزراء، ولو مجتمعين، لا يحقّ لهم قبول الاستقالة، ولأنّ السلطة التي مِن المفترض أن تقبل الاستقالة يجب أن تكون أعلى رتبةً من سلطة مقدِّم الاستقالة، أي الوزير.

والأعلى منه هو رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة لا يمكنه القفز فوق صلاحيات رئيس الجمهورية، لكنْ في هذا الوضع لا يمكن تطبيق هذا الانتقال لأنّه لا يمكن للوزراء أن يقبلوا استقالة بعضِهم البعض، وإلّا كانت السلطة تستولد نفسَها بنفسها، وهذا غيرُ ممكن».

البديل

ولفتَ مرقص إلى أنّ «قبول استقالة وزير تقتضي تعيينَ البديل، ومَن يعيّن البديل؟ لأنّه إذا قُبلت الاستقالة لوزير فيجب تعيين وزير أصيل بدلاً منه، والحكومة غير قادرة على ذلك؟ وتَستولد نفسَها بنفسها أو تَجترّ نفسَها. وهي مغايرة لتعيين الوزير بالاستنابة، فالوزير بالاستنابة يَستلم إذا تَغيَّب الوزير الأصيل بصورة مؤقّتة، بسبب مرض أو وفاة أو حالة استثنائية. عندئذٍ يمارس عنه صلاحياته الوزيرُ بالوكالة أو بالاستنابة».