IMLebanon

لماذا اختار “حزب الله” المواجهة في البقاع ولأي أهداف قرر النأي بنفسه في بيروت؟

كانت دوائر القرار في “حزب الله” على يقين من ان العناوين العريضة لصحف اليوم التالي من الانتخابات المحلية في البقاع وبيروت ستكون مركزة عليه في ما لو قدِّر ان يخسر معركتي بلديتي بريتال وبعلبك، وستكون هذه العناوين متمحورة على مسألة حصرية فحواها ان نفوذ الحزب على قاعدته العريضة قد آل الى تقلص وان زمن انفكاك بيئته الحاضنة عنه قد أذِن والمنطلق من معقله التاريخي اي البقاع.

فالحزب رصد منذ فترة تحضيرات خفية لهجمة مضادة من جانب خصوم له محليين وخارجيين هدفها الاساسي انزال هزيمة او إحداث خرق ليبنى سريعا عليه وليصير هو نجم شاشات التلفزة ووكالات الانباء تحت عنوان “هزيمة مدوية” في بعلبك بما لها من خصوصية لـ “حزب الله” في معقله، وانتفاضة على النهج الذي اختطه الحزب لحظة قرر ولوج الميدان السوري وما تلا ذلك من سقوط كوادر وعناصر له تجاوز عديدهم الالف.

والحزب كان يعي في الوقت عينه ان المدخل الى مشروع الحاق الهزيمة السياسية – الاعلامية – المعنوية به يتجسد في ثلاث بوابات:

– بعلبك، بما لها من خصوصية، إذ ان ما يوازي ثلث ناخبيها ليسوا من النسيج الشيعي وان بالامكان ايجاد “بلوك” قادر على المواجهة بالتعاون مع عصبية لعائلة بعلبكية عريقة تعتبر ان وهج حضورها في قرار المدينة قد تقلص الى حد الاضمحلال بفعل طغيان حضور الحزب، لذا فهي بغالبيتها جاهرت بعدائها للحزب ووضعت نفسها في خدمة اي مشروع مضاد له الى ان كان موعد الانتخابات المحلية الاحد الماضي وقبلها التحضير للمعركة. وإن كانت الخطة آلت الى اخفاق فان صنّاعها يعتبرون انهم احرزوا تقدما في نواح عدة.

– بريتال، لخاصيتين اثنتين. الاولى انها مسقط الشيخ صبحي الطفيلي الذي ذهب الى اقصى الحدود وتجاوز الخطوط الحمر في حربه المزمنة على الحزب مذ طرد من قيادته، والثانية ان ثمة عصبية عائلية كبرى في البلدة حيث العدد القليل منها يبايع الحزب، فيما الغالبية الساحقة توالي شخصا بذاته وتريد التجديد له لولاية بلدية رابعة. ولم يعد خافيا ان الحزب كان طوال الاعوام الماضية يتحاشى الاحتكاك مع هذا الشخص مراعاة لاعتبارات عدة، لكن الجهات المعنية بهذا الملف في الحزب رصدت في الاونة الاخيرة جملة ممارسات جعلتها تخرج باستنتاج فحواه ان الشخص عينه صار في وارد ان يكون رأس حربة في المواجهة مع الحزب، ومنها:

1 – ممانعته مد شبكة هاتف للمقاومة في مناطق معينة من البلدة وخراجها مما اضطر الحزب الى الالتفاف مسافة ثلاثة كيلومترات.

2 – مجاهرته مرارا وعبر الاعلام بتوجيه انتقادات حادة لاداء الحزب في سوريا مما اثار امتعاض عوائل شهداء الحزب في البلدة والبالغ عددهم ما يقرب من عشرين شهيداً.

3 – مضي الشيخ الطفيلي (المرجعية السياسية لهذا الشخص) بعيدا في انتقاد الحزب والحرب الاعلامية عليه الى درجة صيّرته مشروعا وليس صاحب رأي.

وبناء على هذه المعطيات قرر الحزب حازما النزول بثقله الى ميدان المواجهة مع هذه الحالة التي صارت بالنسبة اليه منصة لحملة اكبر واخطر، فتحقق له الاحد اكتساحها على نحو يستحيل بعدها لاحقا القول بأن بلدة محسوبة عليه كانت اول الخارجين عليه والعاصين له وهو ما كان يعد له لو قيض للائحة المضادة للحزب ان تفوز. واللافت انه من اصل 1950 ناخبا من عائلة الشخص اياه لم تنل لائحة الحزب سوى 300 صوت. واللافت ايضا ان جماعة الشخص اياه قد رفعوا بعد الظهر صور الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في محاولة منهم لتدارك الهزيمة بعدما تيقنوا ان رياح التصويت لا تسير وفق ما يشتهون.

ومن المفارقات ايضا ان حركة “امل” سحبت مرشحيها الثلاثة على لائحة الحزب قبل وقت قصير من يوم المنازلة .

– في بعض البلدات البقاعية الكبرى التي تشهد عادة حساسيات مزمنة بين مكوناتها العائلية على نحو تضيع معه محاولات ايجاد لوائح ائتلافية ، آثر الحزب الانسحاب من الواجهة وترك حبل الامور على غاربه للعبة العائلية، فمرّر الاستحقاق بهدوء من جهة وبالتالي ابقى التواصل مع الجميع.

واذا كان الحزب قد اعتبر نفسه رابحا في استحقاق البقاع الشمالي، فماذا عن الضجة المثارة حول دوره في انتخابات زحلة لاسيما لجهة مستقبل علاقته بالاطراف الثلاثة الحليفة والصديقة؟

عندما ايقن الحزب ان الامور ذاهبة الى لوائح ثلاث في هذه المدينة ابلغ من يعنيهم الامر انه حريص على عدم التخلي عن حليفه العماد ميشال عون وانه لن يقطع مع رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف ولن يبدد علاقته مع النائب نقولا فتوش، وبالتالي سيعمل على تشكيل لائحة خاصة تضم اساسا مرشحي “التيار البرتقالي” الخمسة من لائحة اسعد زغيب (الاحزاب) ومرشحين من اللائحتين الاخريين، وهو النهج عينه الذي سلكه الوزير السابق محمود ابو حمدان. وكانت تمنيات الطرفين مجلسا بلديا من مرشحين من القوى الثلاث ليكون ذلك مقدمة ليشعر الجميع بأنهم ليسوا خاسرين.

من البديهي ان الحزب على بينة مما سرى اخيرا من ان هذا التوزيع لاصواته في زحلة (نحو 3 آلاف صوت) لم يرض الحلفاء الثلاثة واثار اكثر ما يكون حفيظة العونيين، ولكنه على يقين بان الامور هي خلاف ذلك وانه لم يخطئ الحساب والخيارات وان الامور لن تلبث ان تعود سيرتها الاولى. ويرى الحزب ايضا ان خيار عدم المواجهة الذي اختاره في انتخابات بيروت البلدية كان هو الاخر صائبا، اذ اتاح الفرصة لمعارضي الرئيس سعد الحريري، وفي مقدمهم لائحة “بيروت مدينتي” ، التحرك بحرية والنظر اليهم على انهم مستقلون وليسوا صنع احد، مما اتاح لها ان تحقق نصرا سياسيا ، لكنه اظهر المأزق السياسي الحاد للحريري .