IMLebanon

لماذا المطلوب إرجاء «باريس 4» ؟

 

من السذاجة الاعتقاد أنّ مؤتمر «باريس 4» أو ما سمّيَ «مؤتمر سيدر» المفترض انعقاده أوائل نيسان المقبل لدعمِ لبنان سيأتي بالتأكيد وفق ما ينتظره المسؤولون اللبنانيون، أو، على الأقلّ، بالقسم الأكبر ممّا ينتظرونه.

هذه القناعة لا تنطلق من اعتبارات عاطفية أو فئوية ضيّقة، بل على العكس، فإنّ الالتزام المطلق بالمصلحة الوطنيّة ربّما يفترض موقفاً مختلفاً تماماً، يبدأ بطلب إرجاءِ المؤتمر إلى الصيف إو بداية الخريف المقبل.

أمّا لماذا؟ فالأسباب عديدة، أهمُّها:

1 – إنّ لبنان دخَل (مبدئياً) مرحلةً انتخابيّة عامة قريبة، تستطيع أن تأتي بحكومة جديدة قادرة على صياغة برنامجٍ اقتصادي جديد، ومثلُ هذه الحكومة تكون مؤهّلة، نظرياً دائماً، للتعامل مع الخارج بقوّةِ إقناعٍ أفضل. وفي مطلق الأحوال لا يُستحسَن مقاربة الآخرين بالتزامات واسعة عشيّة الانتخابات، وهو ما تقتضيه أخلاقيات الممارسة في الداخل ومع الخارج.

2 – إنّ لبنان غير جاهز للجلوس إلى طاولة المؤتمر حتى الآن، ولا يكفي أن نقوم بيَومَمةِ دراساتٍ وأوراقِ عملٍ سابقة لنقول إنّنا مستعدّون فعلاً، علماً أنّ الحكومة وقّعت اتفاقية مليئة بالإشكاليات مع مؤسّسة أجنبيّة لإعداد برنامج عمل للسنوات المقبلة، وذكر أنّ هذا البرنامج لن يُنجَز قبل ستة أشهُر.

3 – من غير مصلحة لبنان طبعاً الظهور بهذا الكمّ الكبير من الانقسامات والتناقضات الواضحة اليوم أمام المانحين، علماً أنّ صورةً بشعة للغاية رآها بأمّ العين رئيسُ أكبر اقتصاد أوروبّي مشارك في مؤتمر باريس، بالأمس في بيروت، فكيف وبأيّ منطق نذهب إلى هؤلاء المانحين لنطلبَ منهم غداً مساعدات؟

4 – إنّ المملكة العربية السعودية ودوَلاً خليجية أخرى تتردَّد كما بات معلوماً في الذهاب إلى باريس، وإذا نجَحت المساعي الفرنسية في إقناع المتحفّظين في تعديل مواقفهم، فالأرجح ألا يقدّموا التزامات قابلة للتنفيذ إلّا بشروط صعبة للغاية، وينطوي هذا الأمر طبعاً على مضامين سياسية إضافةً إلى المضامين الماليّة الكبيرة.

5 – لم تتخذ الحكومة اللبنانية حتى الآن، وعلى رغم وعودٍ مكرّرة، أيَّ خطوات جدّية في اتّجاه إصلاحات مطلوبة بإلحاح من المجتمع الدولي والجهات المانحة تحديداً، بل على العكس، فإنّ مؤشّرات أساسية تتّجه في خطٍّ معاكس لِما يُردّده مانحون منها، على سبيل المثال استمرار الهدر الكبير في المالية العامة والتوظيف غير المنتِج في القطاع العام وبلوغ الدين العام مستويات قياسية جدّية في المطلق كما في خدمته وفي معدّلاته إلى الناتج القومي، كلُّ ذلك وسط توسّعِ البطالة وتراجُع الصادرات وانخفاض التحويلات من الخارج… ولا يُظنّ أنّ الحكومة اللبنانية قادرة على إقناع المفاوضين الأجانب بخطوات جدّية بشكلٍ سهل.

في المقابل، فإنّ لبنان يستطيع التركيز على ثلاث نقاط أساسيّة وتعظيمَ مفاعيلِ هذه النقاط لمصلحته، وهي:

‌أ – الالتزام الفرنسي الأكيد العملَ للتحضير للمؤتمر وإنجاحِه، وبالتالي لتوفير الدعمِ المطلوب للبنان. ولهذا الالتزام أسبابٌ مختلفة عدة، وهو يُعبّر عن ذاته بخطوات ملموسة في اتّجاه أوروبا، وفي اتّجاه أميركا، كما في اتّجاه دولِ الخليج العربي.

‌ب – الانعكاسات الحادة لأزمة اللجوء السوري المتفاقمة على لبنان، وهي أزمةٌ بل كارثة يَشعر المجتمع الدولي بضرورة التصدّي لها بمعالجات ماليّة على الأقلّ، ليس دعماً للبنان فحسب بل تدارُكاً لامتداداتها السلبية الخطيرة عليه أوّلاً.

‌ج – الحاجة الدولية – وربّما العربية أيضاً – إلى إنقاذ لبنان ومنعِ انهيارِه لألفِ سببٍ وسبب سياسي وأمني واجتماعي وثقافي… فإذا صحَّ اليوم أنّ هذا البلد يُمنع عليه أن يعيش فإنّه ممنوع عليه أيضاً أن يموت.

على رغم ما يمكن أن يبدو من صورٍ مشجّعة، فإنّ مِن مصلحة لبنان أن يُعِدّ ملفّاته بشكل جيّد لضمانٍ حدٍّ أدنى من النجاح القابل للترجمة عملياً بدلاً من تكرار وعودٍ لا تُترجم فعلياً كما حصَل في المرّات السابقة.