IMLebanon

هل تنجح إسرائيل بتدويــل «حرب الأنفاق»؟!

 

يوحي الحراك العسكري والديبلوماسي الإسرائيلي بوجود نية واضحة لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لإعطاء عملية «درع الشمال» أبعادها الدولية. فبعد أن حظي بالدعم الأميركي لهذه العملية يسعى الى دعم مماثل لها من موسكو التي زارها وفد عسكري إسرائيلي يقوده رئيس العمليات في الجيش الجنرال أهارون هاليفا بهدف تسويقها، وسط مصاعب جمّة لا توحي بسهولة المهمة. فما هي العوامل التي تعوق تدويل هذه العملية؟

 

يتفق مراقبون عسكريون وديبلوماسيون على أنّ السعي الإسرائيلي الى تدويل «حرب الأنفاق» ليس مشواراً سهلاً على الحكومة الإسرائيلية بسبب كثير من العوائق التي تحول دون هذا التدويل لأسباب إقليمية ودولية متعددة.

 

فالظروف التي كانت تتيح لإسرائيل تسويق مواقفها وقراءتها للتطورات تغيّرت في كثير من جوانبها ولم تعد عملية بسيطة، فالإهتمامات الدولية بالأزمة السورية تتجاوز القبول بشنّ أيِّ حرب أو مواجهة جانبية لأسباب وجيهة تتوزّع بين الشكل والنوعية من جهة، والأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة من جهة ثانية. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

 

في الشكل والنوعية يمكن الإشارة الى الملاحظات الآتية:

 

– لا يكفي إسرائيل أن تقول إنها «أنفاق هجومية» ليكون لها ما أرادت من هذه العملية. فالتوصيف لا معنى دولياً له ولا مفاعيل تغيّر من واقع الأمور طالما أنها لم تبلغ بعد لبنان بالإحداثيات الخاصة بها ولا جرى كشف يؤدي الى تحديد تاريخ إنشائها. فالخبراء الجيولوجيون يستطيعون إجراء مثل هذه الدراسة على عيّنات من أنواع وطبيعة التربة والصخور الموجودة داخل الأنفاق التي تدّعي اكتشافها.

 

– يدرك المسؤولون الإسرائيليون، ومعهم لبنانيون، من ضباط وديبلوماسيين أنّ هذه الأنفاق أو البعض منها كان مدار بحث وجدل ومدار مداولات سابقة إبان المفاوضات التي أنتجت القرار 425 الصادر في 19 آذار 1978 والذي دعا إسرائيل الى سحب قواتها الى ما «وراء الحدود الدولية اللبنانية المعترَف بها» وهو ما ترجم جزئياً في 25 أيار العام 2000.

 

كذلك تجدّد الحديث عنها في مفاوضات القرار 1701 الصادر في 12 آب 2006 عقب حرب تموز من العام نفسه ولم يُجرَ أيُّ كشف عليها ولا على طبيعتها.

 

– إنّ كل ما يجري على الأراضي اللبنانية وتحتها لا علاقة له بما هو قائم في أراضي ايّ دولة مجاورة، عدوّةً كانت أم صديقة. وطالما أنّ غسرائيل التي تسعى الى محاكمة لبنان من خلال هذه الأنفاق – التي تزعم اكتشافها – لم تثبت بعد امتداداتها من الجهة اللبنانية، فإنّ الموضوع ما زال قيد البحث والقوات الدولية (اليونيفيل) شريك أساسي فيه.

 

أما في الظروف العسكرية والسياسية المحيطة بالملف فيمكن التوقف عند الملاحظلات الآتية:

 

– ليس في الأفق ما يوحي بإمكان إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بأيّ عمل عسكري ضد لبنان طالما أنها لم تعالج الأسباب السالفة الذكر في شكل هذه الأنفاق ونوعيّتها، وقبل تحديد ماهيّتها والحصول على الإعتراف الدولي المطلوب من الأمم المتحدة المتمثلة بالقوات الدولية المنتشرة على الحدود مع فلسطين المحتلة.

 

– على رغم دعم الولايات المتحدة الأميركية للعملية الإسرائيلية «درع الشمال»، فإنها ورغم تأييدها الموقف الإسرائيلي، لم تُحمّل الجانب اللبناني أيّ مسؤولية الى اليوم. لا بل فهي حذّرت لبنان من ارتكاب أيّ خطأ يؤدي الى توتير الوضع على الحدود الجنوبية.

 

وإذ اكتفت بالتحذير الموجَّه الى لبنان فهي نصحت إسرائيل في المقابل بعدم القيام بأيِّ مغامرة قبل التنسيق معها ونيل موافقة المجتمع الدولي، وصولاً الى القول إنّ الخطر المتأتي من الوجود الإيراني في سوريا أدهى من الحديث الجديد عن الأنفاق وله الأولوية في الوقت الراهن لا بل فهو أولوية لا تعلو عليها أيُّ أولوية أخرى.

 

– قبل أن يتوجّه الوفد الإسرائيلي الى موسكو لشرح الموقف أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً نبّهت فيه تل أبيب بقساوة من أيِّ خيار عسكري تجاه لبنان، فالمسألة لا يمكن أن تنال موافقتها قبل التثبّت من وجود هذه الأنفاق وطبيعتها والغايات منها وحجم تورّط اللبنانيين فيها وما يمكن أن تعكسه على الوضع المتفجّر في سوريا والعراق ودول الجوار.

 

– الوضع القائم في سوريا والمنطقة لا يتحمّل أيَّ خطأ يمكن أن تقود اليه أيّ عملية إسرائيلية قبل المعالجات الديبلوماسية وتلك الموكلة الى قوات «اليونيفل»، فالوضع في الجانب اللبناني حساس جداً ولا يتحمّل أيَّ خطأ.

 

– لا تخرج المواقف الروسية والأميركية في شكلها ومضمونها ودقتها والغايات منها عن الإجماع الدولي الذي عبّرت عنه بالطرق الديبلوماسية قوى دولية وحكومات أُخرى وخصوصا تلك التي تشارك في قوات اليونيفيل. فالمواقف الإيطالية والإسبانية والألمانية والفرنسية التي تشكل عصب هذه القوات لم تخرج في مواقفها وملاحظاتها عن أطر الموقفين الروسي والأميركي.

 

وبناءً على هذه الوقائع تعتقد مراجع ديبلوماسية محلية ودولية أنّ إسرائيل، وكما فشلت في التسويق لوجود مصانع الصواريخ الإيرانية في محيط مطار بيروت الدولي ومناطق أخرى من لبنان، لن تنجح في تسويق أيّ عملية عسكرية جراء اكتشاف الأنفاق، وإنّ الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد على ذلك.

 

فإسرائيل تحاول أن تلعب في الوقت الضائع لتبرّر عملياتها العسكرية لضرب القواعد الإيرانية وتلك التابعة للمجموعات الموالية لها في سوريا. وإنّ أيَّ تهديد بعملية مماثلة في لبنان لن تجد لها ما يبرّرها. فالبلد متخم بالنازحين السوريين والعالم أجمع يسعى الى مساعدتهم على أرض لبنان طالما أنّ أيّ قرار لم يُتخذ بعد بنقل الدعم والمساعدة هذين الى أيِّ بقعة أخرى في الداخل السوري أو خارجه في اعتبار أنّ أيَّ قرار من هذا النوع يجب أن يكون مسبوقاً ببرامج دولية لإعادتهم اليها، وهو أمر مستحيل في المرحلة الراهنة.

 

ويستنتج المتتبعون أنّ ما تقوم به إسرائيل سيبقى في إطار «البروباغندا» الديبلوماسية والسياسية والإعلامية لحرف الأنظار عن العمليات التي تنوي تزخيمها في سوريا، وربما وصلت في عملياتها الى الأراضي العراقية إذا ثبت لديها أنّ إيران زوّدت «الحشد الشعبي» صواريخ بعيدة المدى تصل الى ما بين 500 و700 كيلومتر. فهناك مصادر الخطر الحقيقية على أمنها القومي وهو ما تبرّره لها القوى الدولية الكبرى وليست في الأنفاق التي لم يظهر بعد أنها تشكّل خطراً داهماً على أمنها.