IMLebanon

.. سيبقى حيّاً في وجدان الوطن

طرابلس الحزينة، لم تستطع حبس دموع الكبرياء والوفاء، وأبت إلا أن تلبس ثياب الحداد، وتتشح كلها بالسواد، وهي تمشي في مشوار الوداع لأغلى الرجال.

بساتين الفيحاء طوت أغصانها، وشجر النخيل انحنت بقاماتها، إجلالاً واحتراماً للفراق الأخير.

شوارع المدينة طافت بجموع المشيعين، الذين جاؤوا من أنحاء الوطن ليشاركوا في تشييع الأفندي الكبير.

مسيرة الوداع لرجل الحوار والاعتدال، تحولت إلى تظاهرة وطنية بامتياز، وكأن عدالة السماء بدأت تمحي ما أصاب الراحل الكبير من ظلامة على الأرض.

رحل عمر كرامي بعد صراع مرير مع المرض، وبعد صراعات مضنية مع الجاحدين والمتنكرين والغادرين والانتهازيين.

لم يهادن. لم يساوم. ولم يتاجر، بما كان يؤمن به من ثوابت وطنية، ومبادئ أخلاقية، ومن مواقف وطنية.

كان يقاوم الضغوط من الأصدقاء والحلفاء، مثل ما كان يتصدّى للحملات والافتراءات من الخصوم والأعداء.

نشأ وترعرع وتخرّج من بيت سياسي عريق، ساهم في معركة الاستقلال أيام الوالد الشيخ عبدالحميد كرامي، وكتب شهادته للوطن بدماء الرئيس الشهيد رشيد كرامي.

حرص على الحفاظ على هذا الإرث الوطني الثمين بإصرار أكيد، رافضاً كل محاولات الترهيب والترغيب لزحزحته عن الكرامة التي تمسّك بها، والتي من أجلها رفض رئاسة الحكومة مرة، وابتعد عن النيابة مرّات.

لم يساير تيارات الانفعال والغوغاء، وكان يكره المزايدات والمتاجرة بالشعارات.

كان يبحث عن حلول للأزمات بالحوار. وكان يعتمد الاعتدال سلاحاً في مواجهة ترسانات التطرّف والعناد.

رئاسة الحكومة لم تكن بمفهومه منصباً لطائفة، بل هي موقعاً وطنياً ودستورياً، يجب تنزيه صلاحياته ومسؤولياته عن أية خصومة سياسية.

 * * *

الكلمات لن تفي الراحل الكبير حقه في الزعامة الطرابلسية، والمرجعية الوطنية، والريادة الأخلاقية.

ولكن الزعيم، والرائد، وصاحب المرجعية الدائمة، سيبقى حيّاً في وجدان الوطن، وفي قلب كل من عرفه رجلاً.. في زمن أحوج ما يكون فيه لبنان إلى الرجال.. الرجال.

إلى جنات الخلد يا أغلى الرجال.

وكان الله في عون حامل الأمانة بجدارة نجلك العزيز فيصل.