IMLebanon

هل تكون الحكومة أولى ترجمات خطاب القسَم؟

على رغم الأجواء الإيجابية التي تُشاع حول اقتراب موعد تأليف الحكومة، فإنّ ما يدور في كواليس التأليف، وكذلك في أوساط بعض القوى السياسية المعنية، وما يرافقه من رسائل إعلامية مُشفّرة يعكس وجود عقبات وعقَد عدة تؤخّر هذا التأليف وتقلل من الأمل في حصوله قبَيل عيد الاستقلال في 22 من الجاري.

ويقول سياسيون متابعون للمشاورات الجارية في شأن التأليف إنّ الديناميات المتعلقة به ليست فعّالة بما فيه الكفاية حتى الآن، فمطالب القوى السياسية كبيرة، وتوزيع الحقائب السيادية والأساسية تواجهه عقبات ناجمة من تمسّك فريق بهذه الحقيبة وآخَر بتلك، فضلاً عن أنّ هناك خلافاً على حصّة كلّ فريق من الأفرقاء الأساسيين من المقاعد الوزارية في ظلّ توافق على ان تكون الحكومة ثلاثينية لتوسيع قاعدة التمثيل فيها، والبعض يريدها مكوّنة من 32 وزيراً لتمثيل الأقليات.

وزاد في الطين بلّة، بروز خلاف على موضوع المداورة بين الوزارات السيادية التي من شأنها، إذا حصلت في ظلّ التوزيعة السائدة في حكومة تصريف الأعمال، أن تعيد خَلط أوراق التوزير، وقد تُحدث مزيداً من التنافس والخلاف في ظلّ تمسّك هذا الفريق أو ذاك بالوزارة أو بالوزارات السيادية والأساسية التي يتولاها حالياً، فضلاً عن أنّ مِثل هذا الأمر من شأنه أن يفتح ملف البحث في تنفيذ «اتّفاق الطائف» باكراً، وقبل أن تتوافر الآليات اللازمة له.

وإلى كلّ ذلك، ثمّة تساؤلات كثيرة حول ما سيكون عليه التمثيل المسيحي في الحكومة وكيف ستوزّع المقاعد الوزارية المسيحية، وهلّ سيتمّ تمثيل تيار «المردة» الى جانب «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب، فيما يتردد أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يرغَب في ان يكون ممثّله في الحكومة مسيحياً، وليس من الطوائف الإسلامية كما درَجت العادة غالباً في حكومات سابقة.

ولذلك تبدو عملية التأليف وكأنّها تسير في حقلٍ مِن الألغام والعُقَد التي قد لا يفَكفكها إلّا توافُق في حجم ذلك التوافق الذي أنجَز استحقاقي انتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس الحكومة.

وإلى كلّ ذلك، تبرز مسألة تمثيل الطوائف والقيادات السياسية المستقلة فيها، والتي ساهمت في انتخاب رئيس الجمهورية وفي التكليف، وهذا الأمر يتحمّل مسؤوليته المعنيون بالتأليف الذين عليهم ان لا يحصروا التمثيلَ بمَن يمثّلون وبالقوى السياسية الكبرى فقط، لأنّ ذلك إذا حصل سيكون استئثاراً بالمقاعد الوزارية وإقصاءً لقوى وجِهات لها حضورُها وتمثيلها السياسي والشعبي وليست متمحورةً مع أيّ فريق يتميّز عنها بأنه أكثر تمثيلاً منها.

فمثلما يقال عن هذا الفريق السياسي إنّه لا يمثّل كلّ البيئة الطائفية أو المذهبية التي ينتمي إليها وأنّ فيها من القوى والفعاليات التي تستحق التمثيل والمشاركة في القرار الوطني، يقال عن فريق آخر الكلام نفسُه، ويقول البعض في هذا السياق إنّه إذا كان المراد إقرار قانون انتخابي يَعتمد الدوائر الكبرى والنظام النسبي لتحقيق عدالة التمثيل وشموليته في المجلس النيابي المقبل، فمِن بابٍ أولى أن تكون الحكومة الجديدة التي ستتولّى إجراء الانتخابات النيابية، بهذه المواصفات، أي شاملة التمثيل بحيث تشارك كلّ المكوّنات السياسية والطائفية والمذهبية في إقرار ذلك القانون الانتخابي، ومِثلُ هذه الخطوة من شأنها أن تكون المدماك الأساسي للانطلاق الى تنفيذٍ امين لوثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ«اتّفاق الطائف»، خصوصاً بعدما اعترَف الجميع بأنّ هذا التنفيذ لم يكن أميناً، وإنّما كان استنسابياً وانتقائياً وأحياناً مخالفاً للوثيقة نفسِها، منذ العام 1992، بل منذ صوغ بنودِها موادَّ في الدستور عام 1990.

ولذلك يتطلّع الجميع إلى ما سيكون عليه تعاطي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في عملية تأليف الحكومة في ضوء ما سيَعرضه عليه الرئيس المكلف سعد الحريري من تشكيلات وزارية، فرئيس الجمهورية تعهَّد في خطاب القسَم «تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية، وتطويرَها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني».

وفي ضوء ما التزَمه رئيس الجمهورية في خطاب القسَم يقول فريق من السياسيين «إنّ الحكومة العتيدة ستكون من حيث التمثيل فيها والبيان ـ البرنامج الوزاري الذي ستعتمده والسياسة التي ستنتهِجها مؤشّراً على ما سيكون عليه نهج العهد في سنواته الستّ المقبلة، بل إنّ هذه الحكومة يفترض ان تكون بتكوينها بدايات الترجمة العملية لما تضمّنه خطاب القسَم، الذي قال فيه عون إنّه يرغب صادقاً في أن يكون عهده «عهداً تتحقّق فيه نقلةٌ نوعية في إرساء الشراكة الوطنية الفعلية في مختلف مواقع الدولة والسلطات الدستورية».

وبين القوى المعنية من يقول إنّ التأليف متروك على همّة عون والحريري، فالجميع أدّوا واجباتهم حيالهما انتخاباً وتسميةً، بغضّ النظر عن الاوراق البِيض وغيرها في الانتخاب الرئاسي، وعن عدم تسمية البعض للحريري في استشارات التكليف، ولذلك عليهما أن يطرحا تشكيلةً وزارية شاملة ومتوزانة ومنسجمة تَحظى بقبول الجميع، لأنّ البلاد ليست قادرة على الدخول في فراغ حكومي بعدما خرجَت لتوّها من الفراغ الرئاسي، فضلاً عن أنّ البعض، بدأ يتخوّف على مصير قانون الانتخاب العتيد وعلى الانتخابات النيابية المقرّرة في الربيع المقبل في حال لم تولد الحكومة قبل نهاية السنة الجارية، بحيث يمكن أن تصبحَ البلاد في هذه الحال أمام أحدِ احتمالين: إمّا إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين،

وهو ما يرغب به بعض القوى السياسية البارزة ضمناً لالتقاط أنفاسِها واستعادة زمام المبادرة في بيئتها المضطربة سياسياً والتي باتت متوزّعة الولاءات بين قياداتها، وإمّا التمديد لمجلس النواب مجدّداً تحت عنوان «التمديد التقني» الذي قد يفتَح الباب إلى أن يتحوّل مع الوقت «أمراً واقعاً» لأن لا مؤشرات حتى الآن إلى وجود رغبة حقيقية لدى بعض القوى السياسية في إقرار قانون الانتخاب الذي يحقّق التمثيل الشامل وينهي «عهود الإقصاء» التي أقامها القانون الحالي وما سبَقه من قوانين أقِرّت منذ أوّل انتخابات جرَت عام 1992 بعد التوصّل إلى «اتّفاق الطائف».

ويخشى هذا الفريق من السياسيين من أن يكون هناك من يحاول الهروب من الاستحقاق النيابي المقبل لخشيته من الخسارة فيه على أساس القانون العتيد، بحيث يضع عراقيلَ في عجلات التأليف لتأخير ولادة الحكومة إلى مطلع السنة الجديدة بغية الحؤول دون إقرار مِثل هذا القانون وفرض إجراء الانتخابات على أساس قانون الستّين النافذ، أو التمديد للمجلس مجدّداً.