IMLebanon

مع التمديد… و«السما زرقا»

صبيحة اليوم الثاني للانتخابات النيابية عام 2009، خرج الرئيس سعد الحريري بخطاب مصالحة تاريخية وصفه جميع المراقبين بأنه «الابن الشرعي للتسوية السعودية ـ السورية التي سُميت «سين سين».

لم يكتفِ فريق 8 آذار بدعوة الحريري الى تأليف حكومة وفاق وطني لا تستثني أحداً، بل أراد تفريغ الانتخابات من نتائجها ومضمونها الحقيقي، بحيث تصبح هذه النتائج مجرد «بوانتاج» لا يصلح إلّا للديكور.

وفقاً لهذا المنحى أُطلِقت يد رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون بالتمسّك بتوزير صهره جبران باسيل، واشترط «الثلث المعطل» المموّه بالوزير عدنان السيد حسين، وعطل تأليف الحكومة ستة أشهر، وانقلب على خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي قال في خضمّ اعتصام وسط بيروت الذي طال اشهراً: «اعطونا قانون الستين واربحوا الانتخابات، وشكّلوا الحكومة التي تريدون».

لم تكن المرة الاولى التي ينقلب فيها فريق 8 آذار على عهوده. في الموافقة على المحكمة نفذ الأمر نفسه، ودائماً على طريقة كسب الوقت للانقضاض، وفي اتفاق الدوحة فعل الأمر نفسه، ولم يكتفِ بإسقاط حكومة الحريري، بل نصّب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد أن «هدّد» النائب وليد جنبلاط، وضغط على الرئيس ميشال سليمان لتأخير الاستشارات النيابية.

في الانتخابات الرئاسية للعام 2008 والعام 2014، فعل فريق 8 آذار الشيء نفسه. لم يعد هناك من معنى لإجراء الانتخابات، ما دامت النتائج ستعلّق بصور تذكارية على الحيطان. نتائج انتخابات العام 2009 أجهضت بالثلث المعطل.

المجلس النيابي أقفل أشهراً في وجه المحكمة الدولية. المجلس ذاته ممنوع عليه الاجتماع لانتخاب رئيس للجمهورية، فهل ما زال ممكناً تسمية هذا المجلس بأنه مجلس التشريع والمحاسبة، وهل إنّ عناء إجراء الانتخابات ودعوة الناخبين، هو فعلاً ممارسة للديموقراطية، ولتجديد الحياة السياسية؟

منذ العام 2005 تاريخ انسحاب الجيش السوري، والتعطيل مستمرّ، حتى بلغ بعد تسع سنوات مرحلة الوقف الكامل لعمل آليات النظام. لا انتخابات رئاسية ولا برلمانية، ولا تشكيل لحكومات إلّا بهدف منع الانفجار الأمني والاقتصادي، هذا فيما يمارس فريق 8 آذار سياسةَ مصادرة قرار الدولة.

بعد تسع سنوات من التعطيل، وآخره تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، يحلّ استحقاق إجراء الانتخابات النيابية، في ظلّ مناخٍ أمني أشبه ببدايات حرب أهلية، وفي ظلّ عقمٍ سياسي، ولا مبالاة تصل الى حدّ الضحك من مجرد ذكر كلمة انتخابات.

لم تعد عبارة انتخابات نيابية تعني للعاقلين، أكثر من مجرّد بروفة تُدفع فيها الاموال، وتتحرّك فيها الماكينات الانتخابية، وتُترَك لوسائل الاعلام ممارسة ما تشاء من حملات وبرامج ومناظرات، ولم تعد اكثر من مشهد قوى أمنية تُرهق بإجراءاتٍ معقّدة لحماية «البوانتاج» المعروفة نتائجه سلفاً، كلّ ذلك لكي نحصل على غالبية نيابية سيعطّلها «الثلث المعطل»، وعلى أقليّة معطّلة لو تسنّى لها أن تصبح غالبية، لمارست حقها في الحكم تماماً حسب المعايير المعتمَدة في سويسرا أو الدانمارك.

سيكون التمديد الذي سيُصوّت عليه في المجلس النيابي كلّ من كتلة «المستقبل» وحزب الله والاشتراكي وبعض النواب المستقلين، وسيلةً للهروب من مسرحية الانتخابات. سيُدعى المجلس الى جلسة عامة، بعد إعادة انتخاب أعضاء اللجان ورؤسائها بإبقاء القديم على قِدمه.

ستجتمع هيئة مكتب المجلس الجديدة القديمة برئاسة الرئيس نبيه بري، وستقرّر جدول أعمال هذه الجلسة، بما فيها قانون التمديد. ستنعقد الجلسة بنصاب يقلّ عن اكثرية الثلثين (أقل من 86 نائباً) وذلك لترييح عون الخائف من اكتمال نصاب انتخاب رئيس للجمهورية لا يكون هو. سيتم التصويت بأكثرية الحضور المطلقة، أيْ ستكون موافقة أكثر من 40 نائباً بقليل كافية للتمديد.

سيكمل هذا المجلس ولايته الممَدّد لها كاملة، ولن يُضطرّ الحريري صبيحة الانتخابات وتحت ضغط فريق 8 آذار، الى ترؤس حكومة من غالبية لم تربح، وأقلية لم تخسر. إنه زمن الديموقراطية…