IMLebanon

المرأة الفقّاسة

 

من وظائف المرأة البيولوجية: الإنجاب والإرضاع، أي إعطاء الحياة لجنين تكوّن في إحشائها ومنحه الغذاء والحنان والحماية والإطمئنان لا إعداده حين يبلغ الرشد أو قبل هذا السن ليكون مشروع شهيد، أو ليخلف شهيداً. وهذا ما يزرعونه في عقول الصغار وكم من مرة سمعنا ولداً، ما عرف من الدنيا شيئاً، وما رأى لا البحر ولا الثلج ولا الورد ولا اندهش ولا زاغت عيناه خلف صبية، يضع في مقدم أحلامه أن يصبح شهيداً كمن سبقوه لا أن يصبح جرّاحاً في أهم مستشفيات العالم أو موسيقياً يدق أبواب الخالدين بمفاتيح بيانو أو مهندساً يشيد عمارات تحاكي العصر أو رياضياً مجليّاً يسابق الريح أو قبطانا يمخر عباب الغيم.

 

عدا كون الأمومة وظيفة. هي حلم وخيار. تحلم الأم بولدين أو ثلاثة… أو تختار وزوجها تكوين عيلة كبيرة من عشرة اولاد وربما أكثر. في الحالين هي ليست فقّاسة مبرمجة بحسب متطلبات الميدان وحديدان ولا هي مصنع مقاتلين مبصرين أو عميان. فكيف يُراد لها أن تنجب قتيلاً مع وقف التنفيذ أو بطل حرب، إن نجا، لإكمال سيرة من سبقوه؟ أليس من خيارات أخرى في غزة؟ بلى.

 

بدل البحث في تلك الخيارات، يطلع على المشاهدين صوت زاعق راعب هادر ليعلن أن مهما قتل العدو في غزة، عشرة أو 15 ألفاً فإن «نساءنا سينجبن بدلاً منهم 90 ألفاً». وقد سبقه علامة فارقة (غير راغب علامة ) حسبها سريعاً. 5000 آلاف إمراة فلسطينية حامل هذا الشهر وسينجبن 5500 في هذا الشهر كأنما قدر النساء أن يوظفن أيام الخصوبة أفضل توظيف حيثما تدعو الحاجة.

 

كرّس هذان الذكران النجمان مفهوم المرأة الفقّاسة في زمن الحروب والإبادة وسيادة الإنشاء والمغامرات الدموية. وقد يكون لهما رأي متطابق حول دور المرأة العربية في وقت الرخاء والإسترخاء.

 

لم أرِد الكتابة عن الموضوع المقيت هذا، شاكراً من سبقني إلى تسليط الضوء عليه، جلّ ما أردته بالأصالة عن نفسي، وبالوكالة عمن يشاطرني الرأي القول: إن حذاء طفلة مغبّر بساحات اللهو أغلى من كل الترهات.

 

في أمس قريب، وهرباً من نشرات الأخبار المتواصلة، علقت في ذهني عبارة وردت على لسان ممثل طلياني وتعريبها « الحياة هي ما يبقى بعد كل مفترق طرق» وها نحن اليوم أمام مفترق طرق: واحد يقودك إلى وطن الحياة وآخر إلى موت مؤجّل.