IMLebanon

هل تكون تجربة الانتخابات البلدية خاتمة احزان اللبنانيين؟!

لم تخرج خاتمة الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الشمال وعكار يوم أمس، عن السيناريوات التي رافقتها ومهدت لها طوال فترة الاعداد لها، وهي الأخيرة في سلسلة الانتخابات التي شكلت في اجرائها ادانة واضحة بكل المعايير،  لكل الأسباب التي ارتكز اليها »أصحاب القرار« من أجل التمديد لمجلس النواب مرتين متتاليتين، وقد دخل موسوعة »غينيس« بأنه الأكثر استهلاكاً للمال العام، والأقل حضوراً في تأدية الواجب في التشريع والرقابة والمحاسبة و..

الجميع الآن أمام مرحلة يفترض ان تكون جديدة، وبمقاييس متعددة.. وما كان يصح قبل الانتخابات البلدية والاختيارية على مستوى كل لبنان (التي أعادت شيئاً من الحياة الى »الديموقراطية« التي طالما تغنى بها اللبنانيون و»شافوا حالهم بها على سائر الجوار«، وعطلها من بيدهم قوة التأثير والقرار) لا يصح بعدها؟!.

من اسف، ان البعض، ولمصالح بحت فئوية او شخصية، أعطى لهذه الانتخابات، خصوصاً في طرابلس والشمال، بعداً مذهبياً، وهي المدنية التي طالما اعتز ابناؤها ورجالاتها، بأنها قدمت، وعلى مدى من الزمن، النموذج الحي والراقي للتنوع المذهبي والطائفي الجامع والمنصهر في بوتقة الانتماء الوطني والعروبي.. وهي المدينة التي حفل تاريخها (القديم) بمحطات وطنية جامعة، لا يمكن القفز من فوقها وادارة الظهر لها تحت أي اعتبار.. خلافاً لما عمل عليه في أروقة البعض على مدى العقود الأخيرة..

من الواضح، ان العقود الأخيرة التي عاشتها طرابلس، وسائر الشمال، لم تأتِ عفوياً، ولم تكن تحمل معها أي أمل يذكر، فانتشر الفقر والحرمان والاهمال والفوضى وسادت سياسة شراء وبيع الضمائر.. حيث عانت هذه المنطقة، وعلى مدى العقود الأخيرة، من الافتقار الى سياسة انمائية – اجتماعية – اقتصادية – خدماتية – وطنية – تربوية، علمية ودقيقة تحررها من الكابوس الذي قبض عليها، فباتت ورقة في أيدي »رجالات المال« يتوزعونها حصصاً واحياء وزواريب وجماعات يزج بها في صراعات لا مصلحة لها فيها.. فصار »الاستقواء« بطرابلس، وسائر الشمال مادة في الصراعات الداخلية، كما الخارجية، فكانت نتيجته المزيد من الانقسامات والمزيد من الفقر والحرمان واتساع دائرة العاطلين من العمل الذين لجأوا الى »امراء الشوارع والاحياء..« ليصار الى استغلالهم في »لعبة الدم«..

لقد دلت التجارب الماضية، وعلى مدى عقود، ان صدقية أي فريق سياسي تكون في قدر ما يعمل على ازالة الأسباب التي تفرّق بين اللبنانيين، على قاعدة مذهبية او طائفية او اتنية، او حتى مناطقية.. وها هي عكار عموماً، وسائر الشمال، كما البقاع يشكلون النموذج الحي للاستغلال لمصالح فئوية او فردية ويدفعون الأثمان غالية.. فالحفاظ على »السلم الأهلي« بوابته ليست في »تعادل موازين القوى« و»استنساخ تجربة هذا الفريق او ذاك« بل في العمل على نزع الأسباب والدوافع والارتقاء بالعمل السياسي الى مستوى المواطنة، وتوفير الحقوق لجميع من له حق، من دون أي منّة (»ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى«) وهي مهمة استراتيجية أمام كل من يدعي أنه يحمل طموحات وطنية – لبنانية.. والا تحول لبنان شهيداً على يد الجميع..

جاءت الانتخابات البلدية والاختيارية في توقيت بالغ الأهمية، وبينت ان اللبنانيين على قدر المسؤولية، وقد كانت خطوة الحكومة في هذا جريئة، وان إتصف اداؤها، عموماً بمثل ما عبر عنه رئيسها تمام سلام بأننا »أفشل حكومة«.. ذلك ان النجاح في اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، على كامل الأراضي اللبنانية، شكل الحجر الأساس لاعادة بناء مؤسسات الدولة، انطلاقاً من قانون انتخابات نيابية عصري وحديث يستند الى النسبية، عابراً لحدود المناطق والطوائف والمذاهب، لاجراء انتخابات نيابية مطلوبة وبالحاح، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.. خصوصاً وان هذه الانتخابات جرت في ظل أجواء أمنية – سياسية – اقتصادية – اجتماعية ضاغطة، وسائر دول الجوار مشتعلة، وهنا يسجل لوزير الداخلية نهاد المشنوق جرأته، وكفاءته وقدرته على التوفيق بين سائر القوى السياسية والعسكرية والأمنية لتمرير الاستحقاق من دون أية أضرار او تداعيات سلبية.

قد يكون من المبالغة القول ان هذه الانتخابات البلدية (عموماً) شكلت نقلة مغايرة لسائر ما عرف في السابق، خصوصاً وان التوقيت لم يكن يصب في خدمة توفير الضمانات الكافية مع الاحداث الأليمة المشتعلة في دول الجوار، و»صراع المحاور« الذي لم يكن غائباً عن الاصطفافات الداخلية في لبنان، وهي مسألة تحتاج من المعنيين الى مراجعة نقدية دقيقة وجريئة وكافية لاعادة الحياة الى الحوار الوطني الجاد والحقيقي، لا حوار اضاعة الوقت.. فالتوقيت اليوم صالح ليشكل مخرجاً لحالة هي بحاجة الى اعادة نظر الافرقاء كافة بادائهم، وتعابيرهم وخطاباتهم، الأمر الذي يشكل مادة يثبت بها هؤلاء جدارتهم وأهليتهم في انقاذ البلد على المستويات كافة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والانمائية، بل والوطنية عموماً، والأمنية وبدء حملة تصحيح كافية لاعادة بناء المؤسسات المهترئة المليئة بالرشى والفساد والتعفف..

ان الطائفية والمذهبية في لبنان، ليست قدراً وليست خياراً، بل مادة في اللعبة السياسية فرضت بالاكراه وبالاحتيال، ولبنان قادر على ان يحقق نفسه بالمصل الضروري والكافي لتوفير المناعة ولتجاوز هذه المصائب والويلات؟!. فهل تكون تجربة الانتخابات البلدية خاتمة أحزان اللبنانيين وبداية مرحلة جديدة؟!