IMLebanon

خيوط عنكبوتية في الأوكار السورية

كان البعض يتخوَّف من دخول اسرائيل على خط المشاريع المطروحة على المنطقة انطلاقاً من سوريا. استهداف المسجد الاقصى كان واضحَ الاهداف لناحية شحن نفوس المسلمين ضدّ الولايات المتحدة الاميركية والدول الاوروبية التي تعتبر حليفة لاسرائيل. وما إن تأكّد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أنّ العمل جارٍ لإدخال سوريا في مشروع جديد من بوابة ضرب «داعش»، حتى قدّم هدية الى معارضي المشروع.

يُحاول نتنياهو العرقلة والتشويش، وفي أفضل الاحوال هو يستعرض «قدراته» لكي لا يبقى بعيداً من الطبخة الحاصلة وتأخذ إسرائيل حصتها. ومن هذه الزاوية تأتي زيارته المزمعة الى موسكو الساعية بدورها لتجميع أوراقها لكي تفرض حصة اكبر لها.

في المقابل، باشرت واشنطن التمهيد لخطوتها من خلال انتزاع قرار في مجلس الامن يمنحها رداء الشرعية الدولية للشروع في المشروع الذي يحمل عنوان ضرب «داعش».

الرئيس السوري بشار الأسد الذي يستعدّ لمواجهة مرحلة صعبة حافلة بالضغوط، أعلن موقفه بأنْ لا تسويات مسبقة وقبل الشروع في ضرب الارهاب بل بعد القضاء عليه، وأنّه باقٍ في موقعه من دون تحديد مهلة وعلى أساس أنّ الشعب هو الذي يُقرّر ذلك.

والاسد الذي قرأ جيداً الاشارات الغربية تجاهه والتي أجمَعت على استمراره على رأس السلطة ولكن وفق مدة محددة، وهو الذي شاهد عودة بعض البعثات الاجنبية والعربية الى دمشق، فتح أخيراً محادثات في الكواليس ولكن في العمق مع النظام المصري.

الكواليس الديبلوماسية تضج بالتحليلات حول المواقف المتضارِبة بين أبناء الصف الواحد. إيران التي أرسلت أحدَ أبرز رموزها في تيار المحافظين الجنرال قاسم سليماني للمرة الثانية في أقل من شهر الى موسكو، تبدو مرتابة من خلفيات الحركة الروسية.

ذلك أنّ القيادة الروسية كانت قد أرسلت منذ مدة غير قصيرة طائرات «ميغ 31» الحديثة والمتطورة، حيث يجرى تدريب طيارين سوريين على قيادتها تمهيداً لإشراكها في المعارك قريباً جداً. وقد زوّدت موسكو أيضاً الجيش السوري بالدبابات الحديثة أخيراً، وهذا ما ترتاح اليه طهران، ولكن لماذا هذا الضجيج كله الآن حول روسيا وما المطلوب من ذلك وأيّ أفق يحمل؟

منذ نحو الشهرين، زار اللواء علي المملوك السعودية حيث التقى الامير محمد بن سلمان بناءً لمسعى روسي حثيث. صحيحٌ أنّ أحداً لم يكن ينتظر الكثير من اللقاء لكن مجرّد حصوله كان مؤشراً كبيراً لم يرتَح إليه تيار المحافظين في ايران كونه يحصل بمعزل عن طهران. فكان أن كشف اللقاء من جهة لقطع التواصل الحاصل ومن جهة أخرى للإشارة الى أنه من غير الممكن الشروع في خطوات قبل موافقة طهران.

روسيا كانت قد تحدّثت عن «جنيف – 3» وعن بقاء الاسد لفترة للإشراف على المفاوضات السياسية، لكنّ طهران التي لا تزال تنتظر إنجاز كلّ الترتيبات الدستورية الاميركية لاتفاقها النووي، لم تستطع فتح كوة في الجدار السميك مع السعودية لا مباشرة ولا حتى من خلال سلطنة عمان. وهي تنتظر اللقاءات الجانبية في نيويورك للدخول الى حلقة النقاش.

وتُدرك إيران ومعها «حزب الله» أنّ روسيا لن تقاتل مباشرة في سوريا على رغم الزوبعة الإعلامية الحاصلة ونجحت في وضع خط احمر حول مناطق النظام وحمايته وهي مسألة لا تعارضها واشنطن فعلياً لكي لا نقول تتّفق معها عليها.

وتكشف مصادر ديبلوماسية مطلعة عن تنسيق ميداني جارٍ ما بين الخبراء الروس والقوات العسكرية الموجودة في سوريا وبين «حزب الله»، وهذا التنسيق يشكل نقطة تقاطع بين الحرص الروسي على إثبات حضوره من دون التورّط مباشرة في القتال وبين سعي «حزب الله» الى كسب الخبرات وقدرات الجيش الروسي لتحسين التفوّق العسكري.

روسيا بحضورها تعلن أيضاً حرمان تركيا من إقامة منطقة عازلة قرب حدودها، وهو ما جعل تركيا تغضب من تلكّؤ حلفائها فردّت عبر اللاجئين السوريين. فالطموح التركي بالسيطرة على القسم الشمالي من سوريا من خلال منطقة عازلة أضحى مسألة صعبة في جوار القوة الروسية.

لذلك عمدت تركيا الى فتح حدودها امام عبور اللاجئين السوريين الى اوروبا، مع الاشارة الى أنّ أنقرة تتعرّض لضغوط غربية كبيرة بهدف حصار «داعش» وقطع كلّ شرايين التواصل التركي معه.

ولكن بين كلّ هذه الخيوط المتشابكة توافق اميركي- روسي ما غير ظاهر إلى العلن. توافق تبدي طهران حذرها منه وكذلك أنقرة، وخصوصاً اسرائيل الساعية الى حصة في الصحن السوري.

وتبدو واشنطن واثقة من المضي الى الامام وإدخال سوريا ومعها لبنان في مرحلة جديدة على هدير الطائرات التي تستهدف «داعش». فاللعب التركي محكوم في النهاية بالذوبان في الصراع الداخلي الكبير حيث بدأت تلوح عودة مرحلة نفوذ العسكر على حساب حزب الرئيس رجب طيب أردوغان.

والمعارضة الايرانية قد تتبدّد مع تدفق مزيد من النازحين السوريين الى المناطق التي يسيطر عليها النظام حول لبنان، وكذلك في الداخل اللبناني، حيث عمل الغرب على توزيع مخيمات النازحين بشكل يقطع فيه التواصل الجغرافي الشيعي الذي جهد «حزب الله» لتحقيقه طوال السنوات الماضية والذي يجهد أيضاً لتعديل الخريطة الديموغرافية في المناطق السورية المحاذية للحدود مع لبنان.

وجاءت زيارة رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون الى لبنان لتحمل رسائل متناقضة. بعضها ايجابي لـ»حزب الله» وهي باختياره مخيمات في البقاع حيث نفوذ الحزب وحديثه عن وجوب إبعاد الارهابيين عن الحدود مع لبنان، وهو العمل الذي يقوم به «حزب الله»، وبعضها سلبي وتحذيري مثل حماية مزيد من عمليات النزوح ومنح رقابة دولية على هذه المخيمات التي تقطع التواصل الجغرافي الشيعي- الشيعي. إنها سياسة العصا والجزرة قبل الشروع في المرحلة الجديدة المليئة بالأفخاخ والتي تحمل في أفقها مشاريع سياسية ستطاول لبنان من دون شك.