IMLebanon

ظريف من بيروت… إلى دمشق برباعية للحلّ

لا يحتاج وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لترف إلتقاط الصور التذكارية الى جانب المسؤولين اللبنانيين، ولا هو قادم لجولة سياحية في بلاد الأرز المثقلة برائحة النفايات وصفقاتها المشبوهة. فالوزير الظريف يكاد يكون الوجه الأكثر ملاحقة عبر عدسات كاميرات كبرى الصحف والمحطات التلفزيونية، وعلى دفتر مواعيده لائحة إنتظار طويلة لصانعي القرار الكبار في العالم. ضيوف من بلاد حتى الأمس القريب كانت زيارتها طهران تلامس حدّ المستحيل.

ماذا في جعبة الضيف الكبير هذه المرة إذاً؟ وهل وصل حاملاً كلمة السر بخصوص إسم الرئيس العتيد، ليُلقيها في أذن كلّ من مستقبليه: رئيس الحكومة تمام سلام، رئيس المجلس النيابي نبيه برّي مروراً بوزير الخارجية جبران باسيل؟ أم أنّ هناك كلاماً آخر مرهوناً بالكلام الجدّي الذي سيخوضه في أروقة حارة حريك حيث يستقبله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في تزخيم لأفكارٍ يطير بها إلى سوريا للقاء الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم؟

حتماً لن يهمس الوزير الخارج للتو من حلبة التفاوض النووي في آذان مستقبليه بإسم الرئيس العتيد، بل سيَرمي الكرة في ملعب أصدقاء الجمهورية الإسلامية، وتحديداً «حزب الله»، ولو لم يُسمّه، صاحب القول الفصل في السياسة المحلية والداخلية، والذي حسم أمره الرئاسي وديعة غير قابلة للردّ في «الرابية»، الخارج جنرالها للتو من معركة خاسرة على قيادة الجيش التي لا يعوضه عنها إلّا الفوز بجائزة بعبدا الكبرى.

لذا فإنّ ما سمعه زوّار «طهران» من فرنسيين وألمان سيُكرّره ظريف على مسامع اللبنانيين هذه المرة: «الأمر لكم والشأن الرئاسي شأنكم» في تكرار لا يحتاج سامعوه لمزيد لكي يدركوا أنّ صناعة الرئيس لا تهبط من طهران الى بيروت، بل يتصاعد دخانها الأبيض من «بلاد الارز» الى «بلاد فارس» المشغولة بما هو اكثر أهمية من الرئاسة اللبنانية، سواءٌ دولياً أو إقليمياً.

لذا ستنصرف الآذان السياسية والإعلامية محاولة التقاط ذبذبات الصوت غير القابل للتسلل من خلف جدران «الضاحية الجنوبية» حيث اللقاء مع السيد حسن نصرالله في نقاش قد يكون الطبق اللبناني الأقل دسماً إذا ما تمت مقارنته بالعراقي واليمني وصولاً إلى حقيقة وأبعاد الإتفاق النووي الايراني وما حقّقته الجمهورية من مكاسب إقتصادية وجيوسياسية. إلّا أنّ الطبق الأدسم على مائدة ظريف – نصرالله، كما يتوقعه بعض المصادر، فيأتي بنكهة شامية.

سوريا تشكل أولوية للجمهورية الاسلامية، ويرى مراقبون أنّ زيارة ظريف الى لبنان ما كانت لتكون لولا أنها ممرّ عبور الى دمشق التي ستشهد اللقاءات الأكثر جدّية.

وتتوقع مصادر أنّ إيران ستسعى في دمشق للترويج الى «مبادرة لتسوية الأزمة السورية» في محاولة لإنهاء الملف الأكثر اولوية لها بعد الانتهاء من ملف «المفاوضات النووية» التي صرّفت لها الجمهورية معظم جهود وتركيز طاقمها الديبلوماسي.

هذه التسوية تسعى من خلالها الى تطبيع علاقاتها مع جيرانها في المنطقة لتنصرف الى مواجهة من نوع مختلف مع العدوّ الأساس: «الكيان العبري» الذي لم يبتلع قادته حتى اللحظة مرارة «الإتفاق النووي».

وكانت ملامح هذه المبادرة قد مثلت للعيان أثناءَ زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، والمبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى طهران قبل أيام، والتي لم تعد بنودها الأربعة التي خطها بيده وزير الخارجية الايرانية، سرّاً، والتي تبدأ بوقف إطلاق النار، فحكومة شراكة وصولاً إلى إنتخابات تحت عيون المراقبين الدوليين، وليس انتهاءً بتعديل الدستور، في غلبة للحلّ السياسي بعدما عجز دعاة الحلّ العسكري عن تحقيقه.

يبدأ الكلام العملي للزيارة إذاً في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، مع السيد نصرالله وينتهي في حضرة الرئيس الأسد في دمشق الذي سيرسم لضيفه معالم الخطوط الحمر لسوريا.

فالمبادرة الإيرانية الرباعية الحلول تحتاج لملحق تقني يكاد يوازي المبادرة اهمية (كما في شقّ الإنتخابات مثلاً، وإذا ما كانت ستشمل الخارج وتحديداً مخيمات اللاجئين في تركيا والاردن)، وصولاً الى كيفية تنفيذ وقف اطلاق النار ومن سيضمن «داعش» و«النصرة» -الطفلان اللقيطان غير المعترَف بأبوّتهما من خصوم سوريا»، حسب تعبير القيادة السورية.

إذاً الوزير الظريف في بيروت لن يتسلّل الى تفاصيل النكد السياسي اللبناني، سواءٌ أكان الإستحقاق الرئاسي أو ما عداه، بل جاء ناصحاً لكلمة سواء بين اللبنانيين، مسهباً في كواليس النووي، متعالياً عن التفاصيل اللبنانية إلّا في ما خصّ تأكيد أهمية العمل على إستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية منعاً من السطو «الإسرائيلي» عليه في ملاقاة لمكامن نفس الرئيس برّي المسكون بأهمية التشريع لأبواب التلزيم تمهيداً للتنقيب. فإسرائيل لا ترى في إيران مجرّد عدوّ سياسي وعسكري بل منافساً كبيراً قادماً الى حلبة «الغاز» بعد رفع الحظر الدولي عنها.

اذاً، ليست زيارة ظريف إلى لبنان إلّا ممراً لما بعد المصنع، حيث النقاش أكثر جدّية في العاصمة دمشق عن مبادرة إيرانية رباعية يهتمّ السوريون بتفاصيلها خوفاً من الشياطين التي قد تتسلّل بين سطورها، خصوصاً إذا ما ترجمها الجانب الاميركي بلغته الديبلوماسية بلكنة خليجية تعوّض عن الخسارة النووية من البوابة السورية.