IMLebanon

أتستغبينا يا ظريف؟

 

لم يندّد وزير الخارجية الايراني بـ”عنصرية” الولايات المتحدة وعنفها وهدرها أموال المُكلَّف الأميركي إلا كي يلقى تصريحُه الصدى المطلوب.

 

فجواد ظريف لا يقصد طبعاً تحريض الرأي العام الأميركي وتأليب الأميركيين السود ضد نظامهم “القمعي الهمجي” وسماع “البلاغ رقم واحد” من “صوت أميركا”، بل يريد حتماً ان يشرح لشعبه ولنا، نحن الذين نعيش في فلك المحور الايراني، كيف ان التطلع الى النموذج الغربي لحقوق الانسان محض هراء، على أساس ان “الديموقراطية” الإيرانية نموذج فريد في الرفاهية والتزام المواثيق.

 

يحق لظريف إبداء الرأي وإدانة مقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض أميركي. فلا صاحب ضمير يقبل بأن يُقتل خنقاً شخصٌ غير مسلح، وألا يُسمعَ نداؤه المتكرر “لا أستطيع التنفس”، فيلفظ أنفاسه أمام أعين الأميركيين وكاميرات هواتفهم الذكية التي صارت شاهداً لا يقبل التكذيب.

 

من نافل القول ان صاحب القلب الرقيق المنادي بمعايير “سويدية” لحقوق الانسان، هو ممثل أحد أكثر الأنظمة شمولية في التاريخ الحديث. ولسوء حظه اعترف أمس زميله وزير الداخلية عبد الرضا رحماني بأن “دفاع الشرطة عن نفسها” تسبب بمقتل 225 ايرانياً في تشرين الثاني الماضي في احتجاجات اسعار الوقود.

 

غاب عن ظريف في مساجلته “الشيطان الأكبر” أن جريمة فلويد العنصرية قضية اميركية بامتياز. عمرها من عمر الولايات المتحدة، وتتنوع منذ بدء الغاء التمييز منتصف القرن الماضي، مثلما أنه لم ينتبه الى ان الاعتداءات العنصرية لم تمنع الأميركيين السود من ممارسة دورهم في المجتمع والجامعات وصولاً الى تربع رئيس أسود في البيت الأبيض ثماني سنين.

 

ولِعِلم الوزير ظريف، فإن ردَّ النُخب الاميركية الدائم على الارتكابات العنصرية هو الدعوة الى مزيد من احترام التعدد والديموقراطية، وفرض التطبيق السليم للقانون، ومعاقبة المرتكبين. فلا مينيابوليس ولوس أنجليس هما مشهد وطهران لتُطلق الذخيرة الحية على المطالبين بالحريات او بخفض الأسعار، ولا ديترويت تعلن “الثورة الخضراء” في ظل شعار “أين صوتي؟” الذي عمّ مدن ايران إثر انتخاب أحمدي نجاد في 2009 وراح ضحيتها مئات بالرصاص.

 

يعلم ظريف ان اضطرابات المدن الأميركية رد فعل غاضب وعفوي إزاء مقتل شخص علناً، وليس في أقبية التعذيب أو بالبراميل المتفجرة، والحادث أصاب مشاعر 40 مليون أميركي أفريقي، يحتجُّون ضمن الأصول، على المنابر وفي وسائل التواصل والكنائس والمساجد، بغض النظر عن سلوك مئات أو بضعة آلاف من الحرّاقين والسارقين.

 

ولأن عارفي ظريف يقرُّون بذكائه، فإن ما يفعله هو استغباء لنا ولمواطنيه. ادانته مقتل فلويد لا تغطي طبيعة النظام الإيراني، ولا طريقة استخدامه موارد الإيرانيين. يكفي ان يكون المعدَّل الوسطي لدخل الفرد الأميركي أسبوعياً 850 دولاراً، فيما هو في أفضل الحالات 20 دولاراً للفرد الايراني. أي أنه بأقل من ثلاثة دولارات يومياً للمواطن، يريد ظريف التنديد بالإمبريالية الأميركية وبممارستها لحقوق الانسان ومواجهة العالم الغربي، وفوق ذلك تخصيب اليورانيوم ومدَّ أذرعه في العالم العربي… وتحرير “بيت المقدس” وكل فلسطين!