IMLebanon

زاسبكين: لبنان مستقرّ لكن العقوبات مُقلقة

 

مجدداً، تلفح الشرق الأوسط رياح الثنائية الدولية. فالرئيس فلاديمير بوتين حجز موقعاً أساسياً لروسيا في المعادلة الاستراتيجية، من بوابة سوريا. ولكن، هل ينجح «القيصر الجديد»، «السوفياتي العائد»، في تثبيت حضور الإمبراطورية في المياه الدافئة؟ وهل تنجح روسيا في أن تكون حلقة الاتصال بين القوى المتنازعة وراعية التسويات، أم ستشعل الحرب الباردة مجدداً، في مواجهة أكثر من شريك إقليمي ودولي؟

 

يقول سفير روسيا لدى لبنان الكسندر زاسبكين: «الولايات المتحدة تمارس منطق التفوّق على الآخرين. وفي المقابل، يرغب الروس في وضع حدّ لنظام القطب الأوحد في العالم».

 

وفي هذا المجال، يذكّر بخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر الأمن في ميونيخ عام 2007، عندما قال: «نظام القطب الأوحد مضرّ بالجميع، بمن فيهم هذا القطب نفسه». ولكن زاسبيكين يسأل: «ما أسس النظام الآتي؟» ويجيب: «إنه ليس واضحاً اليوم. ولذلك، نعيش حالياً مرحلة فوضى، وهناك خطر على الشرعية الدولية».

 

وفي لقاء دعا إليه «معهد الدراسات المستقبلية»، يكشف زاسبكين عن طبيعة الدور الذي تعمل له موسكو في الشرق الأوسط: «نحن نبحث عن توازن المصالح، ونتواصل مع الجميع، ولكننا لا نرى أفقاً لنهاية مرحلة النزاعات في الشرق الأوسط».

 

ويضيف: «للولايات المتحدة رواية أخرى. فقد اختار الأميركيون أن يكون لهم أصدقاء وأعداء في الشرق الأوسط. وأحياناً يتمّ هدر الجهود المبذولة للحلّ. وأما نحن فنريد التوافق ووقف المواجهة. وأساساً، ليست لنا أهداف سابقة في سوريا. ونعمل اليوم للقضاء على الإرهاب وتحسين الوضع الإنساني وإعادة النازحين والتسوية السياسية».

 

«الإرهاب التكفيري هو الخطر الأهمّ في المنطقة، يقول زاسبكين، والنظام في سوريا يقوم بواجبه في الدفاع عن الدولة. وأما الهدف الاستراتيجي لبعض القوى الدولية في سوريا فكان إقامة الكانتونات الطائفية. ونحن واجهنا ذلك. واليوم، بات خطر تقسيم سوريا أصغر مما كان سابقاً».

 

واستطراداً، يبدي السفير ارتياحه إلى «الإجماع الدولي على دعم الاستقرار اللبناني الذي عبّرت عنه مجموعة الدعم الدولية، وإن كانت الأهداف بين الأطراف مختلفة». ولكن يقول: «لدي قلق وشكوك لجهة تداعيات العقوبات الأميركية على «حزب الله». فهناك مَن يتخذ القرارات ضد جزء من المجتمع اللبناني، ثم يعلن أنه يؤيد الاستقرار. والمطلوب هو التلاحم اللبناني لتجنب التداعيات».

 

وعن طبيعة العلاقة بين روسيا وإسرائيل، يقول زاسبيكين: «نسمع مَن يقول إن روسيا تتوخّى مراعاة أمن إسرائيل. وهذا غير صحيح. فنحن نريد الأمن للجميع في الشرق الأوسط. وإذا سُئل مسؤول روسي: «هل تهتمون بأمن إسرائيل؟» فطبيعي أن يجيب: «نعم». ولكن، لا يجوز التركيز على ذلك باعتباره دوراً متميزاً ويتفوّق على الأدوار الأخرى. فروسيا تبحث عن التوازن بين الجميع في الشرق الأوسط. وهذا التوازن هو الذي يقلل احتمالات اندلاع حرب.

 

وبعد إيجاد الحل في سوريا سنعود إلى عملية السلام كقضية مركزية في المنطقة، على أساس قرارات الأمم المتحدة. واليوم، يطرحون «صفقة القرن». ولكن، أعتقد أنّ إسرائيل مهتمّة بالتطبيع على أساس الوضع الحالي أكثر من اهتمامها بإبرام صفقة مبكرة».

 

ويضيف السفير الروسي: «لقد ظهر ما أوصلنا إليه «الربيع العربي» من صراعات. واليوم، هناك تقدّم في بعض المجالات في الشرق الأوسط، لكن هناك غموضاً أو تراجعاً في أخرى. وكل الخيارات مفتوحة بين الحلول والتصعيد والمراوحة واستمرار النزف. وبعد فشل جنيف والاتفاقات الروسية – الأميركية حول سوريا، حتى الآن، انتقلنا إلى أستانا. ونحن نتواصل مع الجميع ونعتقد أنّ كثيراً من الخلافات التي تبدو أساسية هي في الواقع مصطنعة. وفي أي حال، الوضع في سوريا هو اليوم أفضل مما كان عليه».

 

ويرفض زاسبكين ربط إعادة النازحين والإعمار بملف التسوية السياسية، «لأنّ ذلك يعرقل التطبيع. فهناك فرص لإعادة النازحين وإطلاق عملية الإعمار، وهو ما تعمل له روسيا اليوم».

 

ولكن، ماذا عن الضمانات التي يطرحها البعض في هذا الشأن؟ يقول: «الكلام على «ضمانات» يبدو أن المقصود به هو الوصاية الخارجية. والسلطات السورية لا تقبل هذه الوصاية ونحن نحترم سيادة سوريا. وطَرحُ الضمانات بهذا الشكل، كأنه مسألة خلافية، يعرقل التقدّم. ونحن نتعامل مع السلطات السورية لإعادة الإعمار وإعادة ملايين النازحين الموجودين سواء في الداخل السوري أو في الخارج. ولا أريد الكلام على الضمان السوري. فنحن لا نفرض إرادتنا على السلطات في دمشق ونكتفي بمواكبة الملف وتقديم الدعم اللازم. وإذا كان هناك ضمان للاتفاق لا يمسّ السيادة السورية فلا بأس به. ولكن، لا يجوز أن يكون هناك شرطي على الشرطي السوري».

 

وردّاً على سؤال يجيب زاسبيكين: «لا معلومات لدي عن تغيير ديموغرافي يتمّ تكريسه في سوريا. والذين يملكون معلومات في هذا الشأن أرجو أن يزوّدوني إيّاها. وأرى أنّ الأمر يتطلّب رصداً ميدانياً للتثبت مما إذا كان هذا الكلام صحيحاً. ولكن أنا أشكّ في وجود مثل هذا التغيير. فغالبية السوريين هم من الطائفة السنّية، وهذا أمرٌ لن يتغيَّر. ولكن، نتيجة للحرب، نزحت أعداد كبيرة من المناطق التي تسكنها، وهي في صدد العودة. وستقرِّر ظروف ما بعد الحرب حجم العودة إلى كل منطقة، هل تكون بنسبة 100% أو أقلّ من ذلك. ولكن، في أي حال، ليس مفيداً أن يقوم البعض بزرع الشكوك من دون إثباتات في هذا الملف».

 

التكتيك الروسي في سوريا، كما يشرح زاسبكين، «يقضي بالتركيز على دعم مناطق خفض التوتر والمصالحات الميدانية بأقل ما أمكن من أضرار وتنفيذ الأهداف الأساسية، وأوّلها القضاء على الإرهاب مع ضرورة التزام المرونة في معالجة هذا الملف لإنجازه بأفضل الطرق».

 

ويضيف: «نريد أن نعمل مع الجميع بنحو بَنّاء، لمصلحة سوريا، ونرفض التدخّل الخارجي. وهذه سياستنا منذ ما قبل التدخل العسكري. وبالنسبة إلى الشمال وشرق الفرات، نعمل لإيجاد قواسم مشتركة بين أطراف عدة. فهناك الأكراد والعرب والمخاوف التركية. والمهمّة صعبة، ولكننا نعمل».

 

يعلّق زاسبكين على ما يتردّد عن «تباينات» ستنمو بين روسيا وإيران في سوريا، ويقول: «هذا تبسيط للأمور. نحن لن نختلف مع إيران في سوريا. وهناك تعاون بين الدولتين، ولكن لا يجوز الاعتقاد أنّ لهما موقفاً موحداً. فلكل منهما هدفه. وإيران تُمثّل محور المقاومة ونحن لسنا جزءاً منه، ولكننا ندعمه. وخلافاً لما يقال، أعتقد أنّ الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الإيرانيين تدفعنا إلى التقرّب منهم أكثر، لا إلى الابتعاد».

 

وإذ يُسأل السفير: ثمة مَن يعتقد أن إيران ترغب في تعميم تجربة لبنان على سوريا، أي يكون هناك نظام حكم مركزي وميليشيا موازية، فما موقف روسيا من خيار كهذا؟ يجيب: «لا مجال لميليشيات موازية في سوريا. الظروف التي فرضت نشوء هذا الواقع في لبنان ليست هي نفسها الظروف في سوريا. وعلى العكس، تبذل إيران جهدها لتقوية نظام الأسد وتثبيت حضوره، ولذلك هي تدعمه على بسط نفوذه».

 

وهل صحيح أنّ إيران تعمل للإمساك بمعبر البوكمال ليكون طريقها سالكاً إلى بيروت؟ يجيب زاسبيكين: «لا أعرف ماذا يعني هذا الممرّ. وربما كان الهدف من تضخيم هذه المسألة وإعطائها تفسيرات من هذا النوع هو تبرير الوجود الأميركي في سوريا».

 

ويطرح زاسبكين أسئلة عما يسمّى «المرحلة الانتقالية» في سوريا، ويقول: «نخشى أن يكون ذلك سيناريو لنقل الحكم إلى المعارضة، وهو ما نرفضه. لكننا في المقابل نطالب بإقرار الإصلاحات الضرورية. والفرصة قائمة من خلال اللجنة الدستورية التي عليها أن تكون عاملاً مساعداً لتحضير الانتخابات والبناء على نتائجها. واللجنة هي التي ستتولّى العمل لرسم المستقبل السياسي في سوريا».

 

وفي ما يتعلق باتهامات البعض للنظام بانتهاك حقوق الانسان، يقول زاسبيكين: «في السنوات الأخيرة تمّ استخدام موضوع حقوق الإنسان لغايات سياسية، والنماذج في يوغوسلافيا وأماكن أخرى».