IMLebanon

بارود: الدّولة تفكّكت… والحلّ ليس باللامركزية فقط

 

يُعتبر الوزير الأسبق المحامي زياد بارود «أبا» طرح اللامركزية الإدارية كونه ترأّس أواخر عام 2012 بطلب من الحكومة، اللجنة التي أعدّت مشروع قانون اللامركزية الذي تحوّل لاحقاً اقتراح قانون درسته لجنة فرعية، وكان موضع بحث بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، قبل «طوفان الأقصى»، في إطار «مقايضة رئاسية» اقترحها رئيس «التيار» جبران باسيل. بارود وعلى الرغم من تمسّكه بضرورة تطبيق لامركزية إدارية بصلاحيات وإمكانات مالية واسعة وإلّا «بلاها أحسن»، يوضح في الوقت نفسه أنّ اللامركزية ليست بديلاً من السلطة المركزية لا في حالة الحرب ولا في زمن السلم.

 

ماذا لو كانت اللامركزية الإدارية المالية الموسّعة مطبّقة الآن؟ وأي جدوى من هذه اللامركزية في حالة الحرب؟

 

يعتبر بارود في حديث لـ»نداء الوطن»، أنّ «ما يجري في لبنان يدلّ على أزمة نظام، لكن في زمن الحرب لا نناقش أو نفكّر في نظامنا وأزماته، فلا أحد يمكنه أن يعدّل في الصيغة في الوقت الراهن». ويوضح أنّه سواء في النظام المركزي أم اللامركزي الإداري أم الفدرالي، إنّ الحرب والسلم والاستراتيجية الدفاعية والسياسة الخارجية تكون في يد السلطة المركزية. وحتى في الدول الأكثر فدراليةً، فإنّ شؤون الدفاع والسياسة الخارجية والسياسة النقدية كلّها في يد السلطة المركزية. ويعتبر بارود أنّ النقاش حول هذا الموضوع الآن لا يقدّم ولا يؤخّر، فالأزمة الآن على مستوى السلطة المركزية غير القادرة على ضبط الأمور كما تريد، والسلطة المركزية هي التي عليها أن تعالج موضوع السياسة الخارجية والدفاعية.

 

وبالتالي إنّ المخرج للأزمات في لبنان، ومنها الحرب التي لا تُتّخذ بقرار من الدولة، يكمن بالنسبة إلى بارود في دولة مركزية قوية بموازاة لامركزية موسّعة، فهذه لا تلغي تلك. ويوضح «أنّنا حتى لو ذهبنا إلى أي شكل من أشكال النظام على مستوى الإدارة الداخلية المحلية، فنحن نحتاج دائماً إلى حكومة مركزية قوية تقارب السياسة الدفاعية والخارجية والنقدية بكثير من الحزم، وهذه من صلاحياتها وليست من صلاحيات أي حالة مناطقية».

 

من الناحية العملية لجهة الجهوزية لمواجهة مخاطر الحرب وتداعياتها، يؤكد بارود أنّ اللامركزية لو كانت مطبّقة الآن لكانت قدّمت صورة مختلفة وساعدت أكثر، بدليل أنّ السلطة المركزية استعانت بالبلديات خلال أزمة «كورونا». ويشير إلى أنّ البلديات، وعلى الرغم من أنّ إمكانياتها الآن متواضعة، هي من تعرف حاجات منطقتها بنحوٍ أفضل. لذلك إنّ النظام الإداري اللامركزي مفيد للبلد كلّه وحتى للسلطة المركزية، إذ هناك أعباء كثيرة يُمكن أن تُعالج محلياً بطريقة فعّالة أكثر، انطلاقاً من قرب الخدمة من الناس. لكن رغم ذلك، يشدّد بارود، بالنسبة إلى خطة الطوارئ المتعلّقة بالحرب، على أنّها من مسؤولية السلطة المركزية، على الرغم من أنّ جزءاً من هذه الخطة يُعالج محلياً. فالسلطة المركزية هي التي تستوفي الكمّ الأكبر من الضرائب والرسوم وتحقّق مداخيل لا تحقّقها المناطق، ولا يُمكن إعفاء السلطة المركزية من دورها هذا. فخطة الطوارئ تكون وطنية، والمناطق والبلديات ومجالس الأقضية إذا وُجدت تساعد في تطبيقها، لكن هذا لا يُلغي دور المركز.

 

بارود يعتبر أنّ الدولة تفكّكت والسلطة المركزية باتت ضعيفة جداً ومستقيلة من دورها وغير قادرة على تلبية حاجات اللبنانيين. لكنّ الدولة إذا كانت ضعيفة فهذا لا يعني أن نستقيل منها، بل يجب تقويتها لتعود دولة حاضنة لأبنائها، مثلما كانت في عهد الرئيس فؤاد شهاب. وللوصول أو للعودة إلى نموذج دولة تأمّن الحدّ الأدنى المطلوب من مواطنيها، يجب بحسب بارود، إعادة ترتيب البيت الداخلي، بمعنى أن تأخذ الدولة على عاتقها دورها وأن تمارسه، بالتوازي مع لامركزية موسّعة فعلاً بالصلاحيات مع إمكانيات وواردات كافية لكي تتمكّن من أن تمارس دورها.

 

بالنسبة إلى النقاش بين «التيار» و»الحزب» حول اقتراح اللامركزية الإدارية الذي يحمل بصمات بارود، والتشكيك بنية الفريقين من قبل أكثر من جهة سياسية، انطلاقاً من أنّ «الثنائي الشيعي» لطالما كان يرفض أي نوع من اللامركزية المالية الموسّعة، يعتبر بارود أنّ أي نقاش وطني حول اللامركزية دليل صحّي، ويجب أن تناقش اللامركزية بين الجميع وأن تقرّ. ويأمل في أن لا يذهب هذا النقاش إلى تسويات تضرب اللامركزية ومبدأ الإنماء، والغاية التي من أجلها أُعدّ هذا المشروع، متمنّياً ألّا يسحب هذا النقاش مضمون اللامركزية الفعلي وفعاليتها القصوى. فاللامركزية من دون عصا المال لا تجدي نفعاً، وستكون مجرد عنوان بلا مضمون، و»بلاها أحسن».