IMLebanon

أسباب اشتداد قوة الإجرام الصهيوني

 

قبل أيام قليلة من تنفيذ جريمة اغتيال الشهيد صالح العاروري بواسطة مسيّرة إسرائيلية استهدفته في مبنى في حيّ معوض في الضاحية الجنوبية لبيروت، لوحظ اشتداد العنف الصهيوني وجرائم الإبادة الجماعية ضد المواطنين الفلسطينيين. ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية لاحظت وتأكدت ضمنياً انها باتت عاجزة عن حسم المعركة ضدّ حماس عبر إلغائها عسكرياً وتهجير أهالي غزة الى خارج الربوع الفلسطينية، فاستعاضت عن خطتها هذه بخطط أخرى ووضعت جدولاً لتنفيذها. وأهمها استمرار التدمير العشوائي الوحشي الممنهج للبشر والحجر في القطاع، ولإرضاء الرأي العام الشعبي العبري والأميركي إذ نسبة 55 بالمائة تقريباً أبدوا خيفتهم من طول مدة الحرب، فضلاً عن أنهم يعيشون أياماً زاخرة بالقلق النفسي والإحباط والقنوط. فالشعب الصهيوني خائف من الخسارة العسكرية المحتملة في غزة. كما أنه خائف من حرب عسكرية يشنّها حزب الله على الكيان الغاضب لمساعدة حركة حماس في حال طلبت ذلك منه عبر مدّ يد العون العسكرية لها داخل الكيان. ان استعمال نتنياهو للعنف المفرط الذي بلغ درجة الوحشية ضد المواطنين الفلسطينيين واللبنانيين في قرى الجنوب الحدودية مع فلسطين المحتلة هو لإعادة بث الطمأنينة في نفوس مواطنيه ورفع معنوياتهم وهو يسخّر كل ذلك من أجل مشاريعه السياسية المستقبلية الخاصة. لكن الشعب الصهيوني يعرف ان حركة حماس ما زالت قادرة على قصف تل أبيب ومستوطنات غلاف غزة ومناطق أخرى، كما أنه يعرف تماماً ان حزب الله قادر على تدمير شوارع وأزقة في مدن فلسطين المحتلة كافة، وهي بأغلبيتها مكتظة بالسكان. لقد اغتالت اليد الصهيونية الشهيد صالح العاروري وتتوعد باغتيال كوادر مفكرة أخرى وذلك لإفهام المحبطين الكثر من الشعبين العبري والأميركي بأنها قادرة على تحقيق كل أنواع الانتصارات إيماناً منهم بأن الإغتيال يعتبر انتصاراً مقابل هزيمة ميدانية ستزول صدمتها من النفوس لاحقاً كما أن القيادة الصهيونية نفسها ينتابها القلق الشديد من إمكانية تعريض اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول الخليجية العربية للإهتزاز أو حتى للإلغاء، لأن الشعوب العربية المفردة خارج سرب المشاريع التطبيعية ما زالت تحمل لواء القضية الفلسطينية في قلبها وضميرها وما زالت مؤمنة إيماناً ضمنياً وراسخاً بلاءات القائد جمال عبد الناصر الثلاث. ثم ان احصاءات أعداد قتلى الجيش الإسرائيلي متعددة. وهذا ما يجعل الغضب الصهيوني يسطع في الوقت الذي ما زالت فيه أجراس المقاومة تقرع ومدافعها تزمجر وتدك الحصون الغاصبة التلمودية التوراتية، فبعض الأرقام تقول ان 27 بالمائة من قتلى الجيش الصهيوني هم من الضباط. ثم أتى اغتيال الصحفي اليهودي جيري يوركام بعد مرور 83 يوماً على بدء المعركة بين جيش العدو الصهيوني ومقاتلي حركة حماس, وقد قال الصحفي يوركام انه حتى اليوم 83 للحرب فقد دمرت حركة حماس وحزب الله 825 آلية إسرائيلية وبلغ عدد القتلى الصهاينة 8435 جندياً وعدد القتلى الفرنسيين 902 قتيلاً وعد القتلى الأميركيين 1385 والبريطانيين 79 والإيطاليين 48، وبعد تسريب الصحفي يوركام لهذه الأرقام تم اغتياله في اليوم التالي في مدينة عكا. وللحقيقة وقولها أثمان باهظة تصل الى حد القتل رغم ان الكثيرين سيقولون بأن الأرقام مبالغ فيها. وحسب الصحفي الذي اغتيل فقد أتى قوله بأن هذه الأرقام توافقت مع عدد الحاويات التي على متن الباخرة MGZ الراسية على بعد من ميناء حيفا وتحرسها البحرية الأميركية ولوحظ كثرة ارسال القوارب الصغيرة منها وإليها مما جعل الصحفي اليهودي يصل الى هذا الإحصاء. لقد فقدت واشنطن وتل أبيب صوابهما, إذ أن الكاتب عاموس هاريل قال ان إسرائيل قد تكون مقبلة على حرب استنزاف إضافة الى محاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقويض الديمقراطية ويلفت هاريل الى ان الرؤية التي سبق ان عبّر عنها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والتي تحدث فيها عن «حلقة النار» التي ستطوق إسرائيل، بدأت تتحقق عبر حزب الله وحركة حماس، وبالفعل فإن هذا المشهد بات جليّاً اليوم. ويقول هاريل إضافة الى هذا الموضوع يبرز موضوع آخر يتجلّى بالإحصاءات الشعبية الجامعية التي أجريت في جامعة هارفرد، فـ60 بالمائة يعتقدون ان هجوم حماس يمكن تبريره بمظالم لحقت بالفلسطينيين كما تعتقد النسبة عينها ان إسرائيل هي التي ترتكب إبادة جماعية ضدّ سكان غزة. وكشف الاستطلاع الذي ظهرت نتائجه منتصف كانون الأول 2023 ان غالبية الشباب الأميركيين لا يؤيدون مشروع حلّ الدولتين وهو الحل الذي يرجوه ويفضّله الأميركيون الأكبر سناً، كما يريد أكثر من نصف المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً إنهاء إسرائيل ومنحها لحماس والفلسطينيين، فيما يفضل 32 بالمائة حل الدولتين، وهذا ما يجعل الذعر يقض مضاجع واشنطن وتل أبيب. ويشعر الرأي العام الصهيوني بالغضب الشديد وينتابه السخط وكراهية الوضع لأنه يعتبر أن سياسات نتنياهو واليمين المتطرف قوضت الوضع الاقتصادي والسياسي في مدن فلسطين المحتلة. فبنك إسرائيل المركزي خفّض أسعار الفائدة على الإقتراض قصير الأجل للمرة الأولى منذ ما يقارب من أربع سنوات. واتجه البنك المركزي لخفض سعر الفائدة القياسي بمعدل أربع نقط، من 4.75 الى 4.50 بعد بروز بيانات أظهرت ضعف الاقتصاد وتراجع التضخم يعود لحرب إسرائيل الدائرة ضدّ حماس في غزة، وفي السياق عينه ذكر تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» ان تداعيات الهجوم على الاقتصاد الإسرائيلي كانت قوية، مشيراً الى ان بعض الاقتصاديين يتوقعون صدمة شبيهة بالأضرار التي لحقت بالاقتصاد جراء جائحة فيروس كورونا. لقد اضطرت الحكومة الصهيونية الى انفاق أموال ضخمة من أجل دعم رواتب أكثر من 220 ألف جندي إحتياطي ويتحمّل الاقتصاد مصاريف مئتي ألف شخص من الذين تم إجلاؤهم من القرى الإسرائيلية على طول حدود غزة والحدود الشمالية مع لبنان ويتم إيواء العديد من هؤلاء الأشخاص وإطعامهم في فنادق في الشمال والجنوب على نفقة الحكومة، كما أن دولة الكيان تتحمّل مصاريف أشخاص كثيرين مصابين بصدمات نفسية وغير قادرين على العمل. أما القطاع السياحي فتسوده حالة من الإنهيار مع انخفاض عدد السياح بنسبة 90 بالمائة وفقا لأرقام تابعة لوزارة السياحة الإسرائيلية نقله موقع JNS. كما عاد آلاف العمّال الأجانب من الصين وتايلاند والفيليبين ودول أخرى الى بلادهم بعد الهجوم الصادم مع توقف الاقتصاد وفقا لصحيفة «تايمز اوف إسرائيل». ويقدّر اقتصاديون ان الحرب الجارية كلّفت الحكومة الإسرائيلية حوالي 18 مليار دولار أميركي ما يعادل 220 مليون دولار يومياً حتى الربع الرابع من العام 2023. إذن ولهذه الأسباب وجرّاء بطولات الغزاويين وكل من يساندهم بات الكيان الغاصب أوهن من بيت عنكبوت ويعتريه الخور والوهن والنهك والضعف والإنحطاط، وما قبل تشرين الأول 2023 ليس كما بعده والأمور تسير نحو انتصار حماسي غزاوي فلسطيني لم يعد إعلانه رسمياً بعيداً عن الأعين والمسامع. وهذه الإنجازات البطولية تبرر اشتداد وحشية العدو الصهيوني الذي أعتقد لوقت طويل انه قادر على هزيمة الحزام الأسود للاعب كاراتيه بطلقة نارية من مسدسه. وكم أصاب الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون عندما قال للرئيس الروسي بوتين على هامش آخر قمة بينهما سنكافح الإمبريالية سويّاً وسفك الدماء الطاهرة من أجل نهب الثروات والمقدرات سوف نوقفه وسيحاكم المجرمون. ان ما يدعو الى الجزم بأن الصهاينة لا يمكن إقامة سلام معهم ولا يمكن التعايش معهم، هو ان المعنى الإسرائيلي لأميركا يقوم على عقيدة الإختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي وقدرة التوسع اللانهائي وحق التضحية بالآخر. من هنا فإن المقاومة وحدها قادرة وان استمرت لعقود من الزمن على قهر هذا الاستعلاء المتوحش المبني على ابادة الشعوب التي لواشنطن وتل أبيب مصلحة في ابادتها إبادة جماعية كليّة. والمعروف ان سياسة أميركا الخارجية بنوع خاص تتحكم بها منظمة ايباك الصهيونية. وأذكر بأن الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو سُئل عام 1960، أيّهما أفضل لأميركا نيكسون أم كينيدي؟ فأجاب لا يمكن المقارنة بين حذائين ينتعلهما نفس الشخص. أميركا لا يحكمها إلاّ حزباً واحداً هو الحزب الصهيوني وله جناحان، الجناح الجمهوري يمثل القوة الصهيونية المتشددة والجناح الديمقراطي يمثل القوة الناعمة الصهيونية. لا توجد فوارق في الأهداف والإستراتيجيات، اما الوسائل والأدوات فهي تختلف قليلاً لمنح كل رئيس نوعاً من الخصوصية ومساحة للحركة. فعلاً لقد أبدع كاسترو في الوصف.