IMLebanon

“ست الحبايب”… كُتِبَتْ على الدرج ولُحِّنَتْ في 15 دقيقة وعاشت لسنوات!

 

خرجت كلماتها صدفة ولُحّنت في ربع ساعة وسُجّلت في الإذاعة المصرية في اليوم التالي مباشرة، ليكتب لها القدر أن تظل راسخة في أذهان وذاكرة الجماهير العربية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بعيد الأم وتصبح أيقونة هذا العيد والنشيد الوطني للأم.

أغنية “ست الحبايب” للمطربة الكبيرة فايزة أحمد، من كلمات الشاعر الكبير الراحل حسين السيد وتلحين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وأُذيعت لأوّل مرّة في الإذاعة المصرية يوم 21 آذار من العام 1958.

تفاصيل خروج الأغنية للنور مشوّقة ومثيرة، ولم يكن صاحب كلماتها يعلم بأنّها ستكون إحدى أبزر الأغنيات المرتبطة بالأم وعيدها وتحتفظ بتربعها على هذا العرش طيلة 59 عاماً.

في مساء يوم 20 آذار من العام 1958، ذهب الشاعر الكبير حسين السيد لزيارة والدته في منزلها بعد عناء يوم شاق وطويل من العمل وعقب صعوده الطوابق الخمسة متّجهاً إلى شقة والدته في الطابق الأخير، اكتشف أنّه نسي شراء هدية لأمه كي يقدّمها لها في عيدها بعد يوم، ونظراً إلى شعوره بالتعب والإرهاق فلم يبادر بالنزول مجدّداً للشارع وشراء هدية، لذا هداه تفكيره إلى حيلة يهدّئ بها والدته. فأخرج الشاعر الكبير ورقة وقلماً من جيبه وجلس على السلم أمام الشقة يكتب كلمات يعبّر فيها عن حبه وتقديره لأمه، ويقدّمها لها فور أن تفتح له باب الشقة.

انطلقت الكلمات تخرج بعفوية من الشاعر الراحل ووجد دون أنْ يدري في النهاية أنه خطَّ هذه الكلمات:

“ست الحبايب ياحبيبة… يا أغلى من روحي ودمي

ياحنيّنة وكلّك طيبة… يا رب يخليكي يا أمي

زمان سهرتي وتعبتي… وشلتي من عمري ليالي

ولسه برضه دلوقتي… بتحملي الهم بدالي

أنام وتسهري وتباتي تفكّري

وتصحي من الأدان… وتيجي تشقّري

تعيشي لي يا حبيبتي يا أمي…ويدوم لي رضاكي

أنا روحي من روحك أنت.. وعايشة من سر دعاكي

بتحسّي بفرحتي… قبل الهنا بسنة

وتحسّي بشكوتي… من قبل ما أحس أنا

يا رب يخليكي يا أمي… يا رب يخليكي يا أمي

لو عشت طول عمري… أوفي جمايلك الغالية عليَّ

أجيب منين عمر يكفي… وألاقي فين أغلى هدية

نور عيني ومهجتي… وحياتي ودنيتي

لو ترضي تقبليهم… دول هما هديتي”.

انتهى الشاعر الكبير من الكلمات، وطرق باب الشقة وقدّم الكلمات لأمه التي قرأتها وبكت فرحة من تأثّرها بها، فقد مسّت شغاف قلبها وعبّرت عن مشاعر إبن بار ومحب لها، وسألت إبنها هل هذه الكلمات لها أم إنّها أغنية جديدة من تأليفه؟

فقال لها إنّ هذه الكلمات لها وحدها فقط وليست أغنية، لكنّه زاد في وعوده لها وقال بأنّها لو رغبت في أنْ تكون أغنية فسيكون ذلك خلال ساعات وبصوت أجمل المطربات، فوافقت.

على الفور وهو مازال في شقة والدته، اتصل الشاعر الكبير بالموسيقار محمد عبد الوهاب وروى له القصة، وقرأ عليه الكلمات واكشتف بعد الانتهاء من قراءتها أن عبد الوهاب سجّلها في ورقة عنده، ووعده الأخير بتلحينها ليكتشف الشاعر الكبير في اليوم التالي هو ووالدته بالأغنية تُذاع في الإذاعة المصرية وبصوت فايزة أحمد.

اندهش حسين السيد واتصل بعبد الوهاب مستفسراً عمّا حدث، فقد ترك له الأغنية منتصف الليل واكتشف في الصباح بثّها في الإذاعة، فقال له عبد الوهاب إنّه أُعجِبَ بالكلمات ولحّنها في 15 دقيقة، واتصل بفايزة أحمد ودعاها على الفور للتدريب على اللحن. وكانت الأقدار تُحيط بالجميع فقد حفظت المطربة الكبيرة الكلمات بسهولة وأدّت البروفات بسلاسة ويسر حتى مطلع الفجر، ومع إشراقة صباح يوم 21 آذار، وهو عيد الأم، كانت فايزة أحمد في الإذاعة المصرية تسجّل الأغنية لتبث في العاشرة مساء نفس اليوم، وتنطلق عبر الأثير في سماء العالم العربي لتحفر إسمها بحروف من نور في أذهان وذاكرة الجماهير.