IMLebanon

سياسة ضريبية تُوسِّع رقعة الفقر في المجتمع

من المعروف أن الإقتصاد هو في خدمة الإنسان، من هذا المُنطلق تهدف السياسات الإقتصادية للحكومة إلى وضع إستراتيجيات تُحفّز النمو الإقتصادي وفي الوقت نفسه تُقلّل من الفقرّ. لكن السلّة الضريبية التي أقرّها مجلس النواب لها مفعول عكسي على النمو الإقتصادي وعلى الفقر.

كانت الفرحة كبيرة لدى موظفي القطاع العام ومُعلمي المدارس الخاصة عند إقرار السلسلة وهم الذين ينتظرون من الدولة إنصافهم منذ العام 2012. السلسلة أُقرّت ضمن حدود المعقول، لكن تمّ إرفاقها بسلّة ضريبية لها مفعول سلبي على الإقتصاد وبالتالي على الحياة الإجتماعية للمواطن اللبناني.

السياسات الإقتصادية التي تضعها الحكومات تأخذ بالإعتبار البعد الإجتماعي كعنصر أساسي في وضع الإجراءات العملية لخطتها الإقتصادية. وأول خصائص البعد الإجتماعي هو نسبة الفقر في هذا المُجتمع.

يُقاس الفقر بعدّة مؤشرات الأكثر شعبية بينها هو نسبة الفقر إلى عدد السكان. وإذا كان هذا المؤشر له أهمية كبيرة، إلا أن هناك مؤشرين لا يقلّان أهمّية عنه وهما: «عمق الفقر» و «توزيع الفقر».

مؤشر «عمق الفقر» يدلّ على مستوى إبتعاد الفقراء عن عتبة الفقر ويتمّ قياسه من خلال الفرق بين مستوى المعيشة للفقراء (Median) وعتبة الفقر.

أمّا مؤشر «توزيع الفقر» فيُستخّدم لمعرفة توزيع الفقر حول مستوى الفقر ويسمح بالتالي بمعرفة توزيع الفقراء أي بمعنى أخر تحديد سياسة ملائمة لمُحاربة الفقر المُدقع.

هناك عدّة سياسات لمُحاربة الفقر وأشهرها المُساعدات الإجتماعية التي تُقدّمها الدولة إلى أصحاب الدخل المحدود من خلال الضرائب (المدخول الوحيد للدولة نظريًا). ومن هذه المُساعدات نذكر: ضمان الشيخوخة، مساعدات للعاطلين عن العمل، المُساعدات العائلية، المُساعدات الإجتماعية (أشخاص في حالة فقر مُدقع)…

ولكن هناك أيضًا سياسات إقتصادية تسمح بمحاربة الفقر وعلى رأسها تحفيز النمو في ظل محاربة الإحتكار وتأمين فرص العمل. هذه السياسة هي المُفضّلة لدى المُنظمات الدولية مثل البنك الدولي. بالطبع هذه السياسة هي سياسة فعّالة خصوصًا أن لا ضرورة لتمّويلها من قبل الدوّلة بل يتمّ ذلك من خلال إستثمارات القطاع الخاص.

الإقتصاد اللبناني، بحسب الدستور، إقتصاد حر أي بمعنى أخر لا تتدخّل الدوّلة اللبنانية في العملية الإنتاجية. لكن هذا الأمر يبقى نظريًا من ناحية التطبيق على الأرض والذي تشوبه عيوبٌ كثيرة على رأسها:

أولًا: تدخّل الدولة في بعض القطاعات التي تمتلك فيها حصرية كالكهرباء وهذا ما ينتج عنه هدر كبير في موارد الدولة (هذا الواقع يُعرّف بالتخلّف الإقتصادي في العلوم الإقتصادية). هذا الهدر يفرض عجزا في الموازنة وبالتالي يؤدي الى دين عام يحرم من خلاله القطاع الخاص من الأموال بهدف الإستثمار.

ثانيا: تواطؤ بين نافذين في الدولة اللبنانية وبعض أصحاب الأعمال على خلق إنحياز في اللعبة الإقتصادية تُمكن ملاحظته من خلال تلزيم المُنقاصات العامّة ومن خلال العقبات التي تعترض دخول لاعب إقتصادي جديد إلى القطاع المعني.

ثالثا: تخلّي الدولة عن قدرتها الإستثمارية بفعل الفساد الذي ينخر في الجسم الإداري والذي يخلق عجزا ماليا كبيرا لا يترك أي هامش تحرّك للدولة اللبنانية في دفع العجلة الإقتصادية من خلال الإستثمارات (نظرية كينز).

هذا الواقع الآليم نتج عنه خلل في قواعد اللعبة الإقتصادية وكان من نتائجه خلل في التركيبة الإجتماعية للشعب اللبناني حيث نرى أن توزيع الشعب اللبناني بحسب الثروات التي يمتلكها هو توزيع غير عادل. فـ 67.3% من الشعب اللبناني لا يمتلك ثروة أكثر من عشرة آلاف دولار أميركي، 29.7% يمتلكون بين عشرة ومئة ألف دولار أميركي، 2.8% يمتلكون بين مئة ألف ومليون دولار أميركي، و0.3% يمتلكون أكثر من مليون دولار أميركي. لكن الأصعب في هذا الإطار الأسود أن الفئة الأخيرة – أي 0.3% الذي يمتلكون ثروة تفوق المليون دولار أميركي – يملكون 50% من إجمالي الثروة الوطنية.

وهذا ما يُعبر عنه مؤشر جيني (Gini Coef.) والذي يسمح بقياس توزيع الثروات حيث تبلغ قيمته 86.1 (0 يعني توزيع كامل وعادل، و100 توزيع مُركز للثروات).

يأتي إقرار سلسلة الرتب والرواتب في إطار العدالة الإجتماعية من خلال إعادة توزيع الثروات، وهذا الدور هو الدور المثالي للدولة في كل الأنظمة الديمقراطية. وتتمّ إعادة تمويل هذا التوزيع من خلال الضرائب التي تفرضها الدولة على النشاط الإقتصادي بحيث أنها تضع الضرائب على أصحاب الثروات بدرجة أولى وبقية الطبقات بدرجة ثانية.

في الظاهر، قامت الدوّلة اللبنانية بدورها، لكن فعليًا الأمور في مكان آخر. الضرائب التي وضعتها الدولة في إطار تمويل سلسلة الرتب والرواتب هي ضرائب تطال كل الشعب اللبناني وبما أن القسم الأكبر من هذا الشعب (أكثر من 85%) يتواجد بين أسفل الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة، لذا فإن لهذه السلّة الضريبية التي وضعتها الدولة تأثيرا سلبيا على توزيع الثروات الذي إقتصر على التوزيع بين الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة.

وتُظهر المُحاكاة التي قمنا بها، أن السلة الضريبية وخصوصًا زيادة الضريبة على القيمة المُضافة ستنقل 170 ألف شخص من الطبقة المُتوسطة إلى الطبقة الفقيرة!

هذا يعني أن السياسة الضريبية التي قامت بها الدولة والتي من المفروض أن تذهب في إتجاه إعادة توزيع عادل للثروات هي سياسية تُفقّر الناس على مستويين:

– الأول من خلال تقليل القدرة الشرائية للمواطن مما يعني إستهلاك أقلّ وبالتالي إنتاج أقل وإستثمارات أقل وهذا يؤدّي إلى تراجع النمو الإقتصادي.

– الثاني من خلال نقل الثروات من الطبقة المُتوسّطة إلى الطبقة الفقيرة ومعها 170 ألف شخص سينتقلون من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة.

مما سبق نستنتج أن الدولة اللبنانية فشلت في سياستها الضريبية التي لها ثلاثة وظائف رئيسية:

– وظيفة مالية وذلك من خلال تأمين ايرادات للخزينة العامة، وتستخدم لتغطية النفقات العامة.

– وظيفة اقتصادية حيث تُشكل الضريبة اداة من الأدوات التي تمتلكها الدولة للتأثير على الاقتصاد بهدف تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي

– وظيفة اجتماعية بغية تحقيق الاستقرار الاجتماعي، واعادة توزيع الدخل بين طبقات المجتمع.

لكل ضريبة أثر ما على النشاط الإقتصادي للدولة، من هذا المُنطلق لا يمكن فرض الضرائب لمجرد تحصيل الأموال. فالضريبة على مدخرات المواطنين قد يوفر للدولة حصيلة مالية ولكنه في الوقت ذاته سيدفع المواطنين لإخفاء مدخراتهم وإبعادها عن النشاط الإقتصادي لتجنب دفع الضريبة (تهرب ضريبي). من هنا كان الأجدى بالدولة اللبنانية فرض ضريبة على الموارد العاطلة مما يدفع المواطنين لاستغلال مواردهم وممتلكاتهم لتجنب دفع الضريبة وبالتالي تسهم الضريبة في تحسين استغلال موارد الدولة.

في الختام، لا يسعنا إلا التوجّه بنداء لفخامة رئيس الجمهورية بردّ قانون السلّة الضريبية التي واكبت إقرار سلسلة الرتب والرواتب بهدف القيام بدراسة مُعمّقة لتأثيراتها الإجتماعية التي بدون أدّنى شكّ ستُظهر حجم الخطأ الفادح الذي إرتكبته الطبقة السياسية في إقرار السلّة الضريبية.