IMLebanon

النفوذ الإيراني يهدد التوازن الطائفي في مراكز الدولة

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

فلنعترف أننا تغيرنا ولم ننجح بأن نكون “نواطير” حقيقيين على مواقعنا ودستورنا وأرضنا التي ورثناها عن الأجداد”. قد يفتح هذا الإعتراف من مرجعية لبنانية مارونية مسيحية لها جذورها في الفكر والإيمان الكثير من النقاشات التي تذهب إلى حد الجدل البيزنطي.لكن الواقع أقرب إلى ما يشبه هذا الإعتراف!.

هذا الكلام خلاصة ما يشهده الواقع في ملاكات الدولة من فراغ في المواقع المسيحية سواء في المراكز الحساسة كحاكمية مصرف لبنان او في المراكز الثانوية. وهذا ما لم يحصل في الإحتلالات السابقة سواء عندما كانت بندقية الفلسطيني والقوى المسلحة تعبث في أمن الساحات والقرى وأيضا خلال مرحلة الإحتلال السوري. فهل تمكّن النفوذ الإيراني من إخراج النفوذ المسيحي من دائرة القرار سواء في السلطة أم في الإدارة وصولا إلى موقع الرئاسة الأولى أم أخفق المسيحيون في تشخيص المرض وزاد من العلة تشرذمهم ؟

رئيس مؤسسة لابورا الأب طوني خضرا يحدد مكامن “التقلص” بانهيار الدولة وعدم وجود أي حل سياسي في الأفق ويقول لـ:المركزية” حتى الآن لا نعرف المعايير التي تسير وفقها الدولة. هل هو الدستور اللبناني، أم وثيقة الطائف، أم المادة 95 من الدستور”. ويضيف”عندما أنشئ مجلس الخدمة المدنية توجسنا خيرا لأن الأصول تقضي بعدم تمرير أية معاملة أو ورقة من دون أن يوافق عليها مجلس الخدمة المدنية لكن إذا سألنا القاضي المكلف في المجلس يكون الجواب أن الأخير غائب عن الخدمة المدنية الفعلية لأن التمريرات تحصل على عين الدولة ووفق محسوبيات”.

ويلفت إلى” أن إصرار حكومة تصريف الأعمال على تمرير مشاريع الإقصاء لا يستهدف المسيحيين فحسب، بل يستهدف لبنان بدستوره وصيغته، وسيؤدي إلى تغيير وجه الوطن، وهو أمر لا يمكن أن يتم السكوت عنه”.وما يجري في العديد من الإدارات، يكشف بشكل فاضح وخطير التواطؤ على التغييب الممنهج للمسيحيين عن مؤسسات الدولة وبالتالي عن المشاركة في خدمة الوطن”. ويختم” المرحلة تتطلب تضامنا وإصرارا للحفاظ على الشراكة الوطنية. نحن مقبلون على مفاوضات فإما أن يكون المسيحيون مشاركين في الحوار وإلا يكونون الطبق الذي سيؤكل ساخنا”.

ما عجز عنه الإحتلال السوري والبندقية الفلسطينية تمكن منه النفوذ الإيراني عبر أذرعه في لبنان فهل يتحمل المسؤولون المسيحيون مسؤولية ما يحصل وما هي مبادرات من يتحدثون عن حقوق المسيحيين؟

الكاتب السياسي الياس الزغبي يعتبر أن “السلطة القائمة تستغل حالة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى كي تتمادى في تغيير بعض موازين المساواة في المواقع الحساسة الأولى وما دونها في الإدارات، والمصادفة المثيرة أن الذين يتوافرون لملء الفراغات يكونون على الأغلب من طوائف غير مسيحية حتى بات يمكن التأكيد أن هناك خلفية واضحة تحكم هذه التعيينات وتدفع الكثير من الجمعيات المراقبة والمرجعيات المسيحية على رفع الصوت لعدم الإنحراف والتمادي في كسر هذه التوازنات “.

يضيف الزغبي “حين كان الإحتلال السوري يدير الدولة اللبنانية كان يحافظ أقله على الشكل في توزيع المسؤوليات ويأتي حكماً بالمحسوبين عليه من المسيحيين ليثبت مصلحته السياسية العليا. ومع أن الذين كانوا يمثلون المسيحيين تحت الإحتلال السوري لم يكونوا ممثلين حقيقيين للبيئة المسيحية لكن على الأقل كان هناك توازن ولو في الشكل يحفظ الصيغة الأساسية التي أرساها الطائف. اليوم وتحت الوصاية الإيرانية التي يجسدها سلاح حزب الله انكشفت أوراق هذه الوصاية عبر حكومة تصريف الأعمال إذ يتم وبشكل انتهازي استغلال غياب رئيس للجمهورية مما ادى الى توسع الخلل على مستويات عديدة في الإدارات العامة بدءا من الفئة الأولى وصولا إلى الخامسة”.

الإعتراض ورفع الصوت لا يكفيان. ويوضح الزغبي: “المعالجة ليست في عملية إرضاء موضعي لإعادة هذا الموظف أو ذاك بل في إعادة انتظام المؤسسات بهرميتها الكبرى أي بدءا من رئاسة الجمهورية .وكل معالجة جزئية دون هذا المستوى ستكون بمثابة ألغام موقتة للإنفجار بسبب تراكم الأخطاء والخطايا. ويخشى أن تكون غايات هذا التأسيس عن وعي أو عن إغفال، لفرض صيغة حياة جديدة تدفع المجتمع اللبناني إلى التباعد خصوصا إذا استمر السلاح غير الشرعي في تغطية هذه الإرتكابات غير المسؤولة وربما أن أصحابها يتقصدونها على أمل أن ينفذوا على أرض الواقع مشروعهم بالسيطرة الديمغرافية وتاليا السياسية وتغيير الهوية الكيانية للبنان القائم منذ قيامه كدولة سيدة مستقلة على التوازن الدقيق بين مكوناته.

” هناك مسؤولية تقع على عاتق القيادات المسيحية والروحية وحتى الإجتماعية لكن المعالجة ليست حكرا عليها لأن دورها أن تعلن عن الخلل وتطالب بإصلاحه، يقول الزغبي، أما إذا استمر هذا الصمم لدى السلطة القائمة تصبح مسؤولية القيادات مضاعفة وستُضطر في لحظة ما إلى اتخاذ إجراءات عملية تؤدي إلى بلورة صيغة حياة جديدة تقوم على مبدأ التنوع تحت الوحدة وليس في الوحدة، بمعنى أن تبقى هناك سلطات مركزية ودونها سلطات واسعة لا مركزية تسمح بإدارة كل مكون لبناني حياته ونمط عيشه وحقوقه في التطلع إلى مستقبل أفضل من دون تعريض هذه اللامركزيات إلى نوع من النفور بل عيش مشترك فعلي تصونه الحقوق الحياتية ولا يخضع لنظرية الغلبة وقوة السلاح أو حتى العدد الديمغرافي وما إلى ذلك من عناوين يتمسك بها أصحابها”.