IMLebanon

المأمول لبنانياً والمطلوب قرضاوياً

في كلمته التي ألقاها يوم إفتتاح «مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات» في فيينا يوم الثلاثاء 27 تشرين الثاني 2012، قال وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل موضحاً المسألة الأساسية وهي لماذا إختار فيينا وليس بيروت، على سبيل المثال لا الحصر، مقراً للمركز «إن إختيار فيينا مكاناً لهذا المركز لم يأتِ من فراغ أو مِن قبيل الصدفة، فما هو معروف عن هذه المدينة من تاريخ عريق وموقع متميز في مسيرة الحضارة الإنسانية بكل مقوماتها من تنوُّع ثقافي وإبداعات فنية وفكرية يجعل من هذه المدينة نقطة تلاق لمختلف النزعات الفكرية والتوجهات المذهبية. وإذا ما أخذْنا في الإعتبار موقع فيينا المتوسط في أوروبا، فإن هذا الأمر يضفي عليها قدْراً من التميز الحضاري ويجعلها المكان الأكثر ملاءمة لإحتضان مركز غايته التقريب بين الشعوب والثقافات وتكريس مبدأ الإعتدال والتسامح والوسطية. وهذا المبدأ يشكِّل جوهر مبادرة خادم الحرميْن الشريفيْن لنشر الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، التي إنطلقت من مكة المكرمة، مهد دعوة الإسلام…».

لا ينقص بيروت الكثير من هذه الصفات لكن القليل الذي تفتقده يشكِّل جوهر الأسباب التي جعلت الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمة الله عليه يختار فيينا. فالتعصب المذهبي موجود بقوة في لبنان وإلى درجة أن أهل السياسة والأحزاب، ينشرون من خلال أقوال منسوبة إليهم أو تصريحات يُدلون بها أو مشاريع يقوم البعض منهم بتسويقها، التعصب وإلى درجة يبدو هؤلاء متعمدين ذلك وليس سهواً تلك العبارة التي وردت في سياق تصريح لأحدهم أو مقابلة صحافية أو فضائية مع قطب سياسي أو حزبي آخر.

وعندما تكون الحال على ما نشير إليه ثم يصبح السلاح والمظاهر العسكرية من الأمور المألوفة، فإن ما ينطبق على العاصمة المثالية لإستضافة مركز للحوار بين أتباع الثقافات والأديان لا يعود قائماً لعاصمة مثل بيروت التي، نكرر تكراراً، أن الملك عبدالله وكونها موضع حبه لها، كان ضمناً يتمنى لو أن مركزه الحواري المتميز كان في بيروت ذات التراث العريق وأم الشرائع.

على هذا الأساس يكون الأقطاب الذين يملكون السلطات الرسمية والحزبية وتحديداً أولئك الذين يمتهنون التعصب المذهبي هم الجناة على تضييع مثل هكذا فرصة تعتز النمسا – بدل لبنان- شعباً وحكومة بأنها لا تحتضن فقط مقر منظمة «أوبيك»ولا التراث الموسيقي للكبار الذين ما زالت سمفونياتهم تملأ النفوس بهجة، وإنما تحتضن مقر مركز أنشأه الإبن العاشر للملك عبد العزيز وخامس الملوك الأبناء الذي رحل في الساعة الأُولى من فجر يوم الجمعة 23 كانون الثاني 2015 مأسوفاً على حميد سجاياه وإنجازات عهده الإصلاحي ومبادراته من أجل الحوار والتقريب بين أصحاب الديانات وجمْع أبناء الأمتيْن على كلمة سواء.

وتحضُرنا ونحن نعيش منذ 5 حزيران 2017 الأزمة الخليجية غير المستحَب إستمرار حدتها في ضوء خطاب الأمير تميم بن حمد آل ثاني يوم الجمعة الماضي (21. 7 . 2017) مازجاً في كثير من العبارات بين النقد الذاتي الخفيف الوطأة وطمأنة شعب قطر والدعوة إلى إعتماد الحوار لإنهاء الأزمة التي تركت آثاراً نفسية على المجتمع الخليجي عموماً والتي يشكِّل تأثير الشيخ يوسف القرضاوي على أهل الحُكْم في قطر النقطة الأكثر تعقيداً من بين نقاط الخلاف الذي إنتهى حتى الآن إجراءات سعودية – إماراتية – بحرينية – مصرية في حق النظام في دولة قطر.. تحضرنا ونحن نتمنى إستعادة الود والتضامن إلى قادة دول مجلس التعاون خصوصاً أن إنشغالهم في الأزمة الخاصة جعلتهم لا يتخذون ما هم قادرون عليه بالنسبة إلى الإستهانة الإسرائيلية بالحرم الثالث المسجد الأقصى الذي إليه كان الإسراء ليلاً من المسجد الحرام، شهادة الشيخ القرضاوي حول ما تقدِّمه المملكة العربية السعودية من خير خدمة للحرميْن وذلك بقولهخلال إستقبال الملك عبدالله بن عبد العزيز يوم الأربعاء 16. 9. 2009 في قصر الصفا في مكة المكرَّمة عدداً من الشخصيات والعلماء من بينهم الشيخ القرضاوي رئيس «هيئة علماء المسلمين» حضروا بدعوة من الملك للتبرك بأجواء العشر الأواخر من شهر الصوم المبارك (عامذاك) وتبادُل الرؤى معه: «جزاكم الله خيراً على ما تقومون به في خدمة الحرميْن الشريفيْن وخدمة الأمة الإسلامية…».

وهنا يجد المرء نفسه تتساءل: ما دام كان هذا تقييم الشيخ القرضاوي للمملكة التي لا يتوقف إهتمام قيادتها ﺑ « الحرميْن الشريفيْن وخدمة الأمة الإسلامية» وما دام هو موضع رعاية أهل الحُكْم في قطر كما هو في الوقت نفسه أحد أسباب الأزمة، فلماذا لا يبادر كلامياً شيخنا العزيز وينصح أمير الدولة ووالده بتطوير ما جاء في الخطاب التميمي، كأن يقول القرضاوي الكلام الذي يحنن القلوب ويُطمئن النفوس وبمفردات تشبه تلك التي أوردها أمام الجمع الإسلامي في مجلس الملك عبدالله بن عبد العزيز رائد صيغة الحوار بين أتباع الديانات والثقافات يوم الأربعاء 16. 9 . 2009، وبذلك لا يؤدي واجباً ويرد معروفاً وإنما يساهم في تآلف القلوب السعودية – الإماراتية- البحرينية – المصرية- القطرية عدا المشاركة في السعي الدائم لمواجهة الإرهاب في شتى منابعه.

وبالعودة إلى ما سبق أن أشرنا إليه حول مراكز إشعاع ضاعت على لبنان ومن بينها أن تكون بيروت المكتملة فيها دواعي إقامة مركز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، نتذكر كيف وأدْنا «أجندة» الرئيس الشهيد رفيق الحريري بما حوته من مراكز إشعاع يسعى إلى إنجازها إحداها القصر المنيف للمؤتمرات العربية والإقليمية والدولية على أنواعها تستضيفها بيروت على مدار أشهر السنة كما الحال في دبي. وأما سائر ما حوته «الأجندة» من أفكارعلى طريق بلوغ مراكز الإشعاع الذروة، فإنها كثيرة، وتنتظر مَن يقود الدفة في لبنان رجال دولة يعيش الوطن في ضميرهم وعندئذ يتعاونون على أن تستوطن مراكز الإشعاع لبنان وليس النزوح بعد اللجوء، كما ليس التعصب والمذهبية. مع كثير التمني بأن يكون سفراء وسفيرات العهد العوني، للبنان الوطن الذي يستعيد في الغد غير البعيد مواصفاته كمركز إشعاع، وليسوا للبنان المتحاصصين.

والله الهادي إلى سواء السبيل.