IMLebanon

قصّة اللحظة الأخيرة لبدء الحرب وترحيل «سرايا أهل الشام»

بدأ العدّ العكسي للمعركة الكبرى ضدّ «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع. وتشهد الـ 48 ساعة المقبلة سباقاً بين إبرامِ تسوية مع جماعة موفق أبو السوس، أو تركِ الميدان لاختبار النار لينهيَ مسلّحي «داعش» في تلك المنطقة بضربةٍ عسكرية قاضية أو بإخراجهم منها بتسوية تحت النار.

خلال الساعات الـ 24 الماضية، تفاعلت حركة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في اتّجاه تزخيم دورِه المتوافَق عليه داخلياً، وهو قيادة تنسيقٍ عسكريّ عبر حلقةِ اتّصال بين الجيشين السوري واللبناني لترتيبِ «الأمر الواقع الميداني» في جبهة قتالٍ متداخلة جغرافيّاً، وبالتالي تفرض التنسيقَ العسكري.

وفي الأساس فإنّ هذا التنسيق المحصور بطابعه العسكري عبر صلة اتّصال بين الجيشين السوري واللبناني اللذين ينتشران في بقعةٍ يتداخل فيها وجود الإرهابيين العابر للحدود، قائمٌ، وذلك قبل قرعِ طبولِ معركة جرود رأس بعلبك والقاع، وحريٌّ أن يكون هذا التنسيق على هذا المستوى موجوداً في أثناء هذه المعركة التي توصَف في «اليرزة»، بـ»المعركة الكبرى».

حركة ابراهيم أمس التي وُصِفت بـ»حركة اللحظة الأخيرة» قبل بدء الحرب، خَيَّم عليها تقديرٌ متشائم بإمكانية التوصّلِ إلى تسويةٍ ما مع «داعش»، خصوصاً في ظلّ معلومات مستقاة من عمليات رصدِ التواصل بين الرقّة وجماعاتها في جرود القاع ورأس بعلبك، تفيد أنّ الأولى أبلغت إلى موفق أبو السوس أن «لا للتفاوض.. ولا خيار إلّا القتال».

في الأساس، ومنذ طردِ «داعش» من تدمر ومحيطِها، أصبحت مجموعة «داعش» في جرود شرق لبنان، تعيش واقعَ أنّها معزولة عن الرقة. وخلال الفترة التي تلت دحرَ الروس لـ«داعش» من تدمر، أبلغَت الرقة إلى جماعة موفق أبو السوس أنّ عليهم تدبُّر أمورِهم بأنفسهم، في أيّ معركة مقبلة مع الجيش اللبناني و«حزب الله» والجيش السوري.

وطوال نهار أمس كان هناك انتظار لمعرفة النهاية التي سيَرسو عليها حراكُ اللحظة الأخيرة المتّسِمة بسباقٍ بين الحلّ العسكري من جهة، وحلّ استدراك التسوية من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة إتمام ترتيب خريطة تنسيق «الأمر الواقع العسكري» الميداني السوري ـ اللبناني، وذلك في الجبهة التي يَتداخل فيها وجود العدوّ الإرهابي (داعش).

وتشي عمليات الرصد الأخيرة لحضور تنظيم «داعش» الميداني في البقعة اللبنانية المتمركز فيها، بأنّ عناصرَه لا تزال تحصل على بعض التموين من قرى في القلمون الغربي، وذلك عبر جرود فليطا، وأيضاً بأنّ ترسانته العسكرية حصلت على أسلحة ثقيلة ترَكتها له «جبهة النصرة» قبل انسحابها من جرود عرسال، كما أنّ ثلاثاً من أخطرِ مجموعات «النصرة» التحقَت بإرهابيّي موفق أبو السوس، وذلك عشيّة رحيلِ «أبو مالك» التلّي إلى إدلب.

وفي المقابل، فإنّ الجيش اللبناني أنجَز تحشيداً لقوّاته في المنطقة، تكفي في نظر متابعين عسكريين لإنجاز المهمّة، حيث نَشر فيها اللواءَين السادس والثامن، وفوجَ مجوقل وآخَر من مغاوير البحر وثالثَ احتياطياً.

ووفق سيناريوهات متدوَالة في كواليس «حزب الله»، فإنّ دور الحزب في هذه المعركة المنتظَرة، سيكون دورَ الجيش اللبناني نفسه أثناءَ معركة جرود عرسال، حيث سيقوم الحزب انطلاقاً من منطقةِ تمَركُزِه في البقعة السورية من الجبهة، بإنشاء خطّ نارٍ لمنعِ عناصر «داعش» من التسَلّل من ميدان تمركُزها في الجانب السوري إلى ميدان تمركُزِها في الجانب اللبناني، وذلك على نحوٍ يُكرر قيامَ الجيش اللبناني أثناءَ حرب جرود عرسال بإنشاء خط نار لمنعِ تسَلّلِ عناصر «النصرة» من مواقعهم في الجرود إلى منطقة مخميّات النازحين.

ووسط هذه التطوّرات، يبقى هناك سؤال تعتري الإجابةَ عنه تأويلاتٌ متضاربة، وهو عن مصير تسويةِ ترحيلِ «سرايا أهل الشام» من منطقة وادي حميد في اتّجاه الغوطة السورية وما هي الإشكالات التي أجَّلت انطلاقها لبعض الوقت، وعمّا إذا كان شرط إتمامِها لا زال ضرورياً للبدء بمرحلة فتحِ معركة جرود القاع ورأس بعلبك ضدّ «داعش».

وتَطرح مصادر مطّلعة في مجال إجابتها عن هذه الأسئلة المعطيات الآتية:

ـ أوّلاً، تفاوُض «حزب الله» مع «سرايا أهل الشام» بدأ قبل أكثر من شهرين، وكان ضمن مشروع أوسع وهو إنشاء مسارٍ لعودة النازحين السوريين من لبنان بالتنسيق مع السلطات السورية وإلى مناطق تسيطر عليها الدولة السورية، وبالتالي تنخرط «سرايا أهل الشام» في مشاريع المصالحات الوطنية كما تطرَحها موسكو حلّاً لكلّ بؤَرِ المعارضة المسلّحة التي يحاصرها النظام.

لقد رَفض قسمٌ أساسٌ من «سرايا أهل الشام» هذا المشروع، وأكّد تمسّكَه بمبدأ أن تتمّ عودة النازحين تحت إشراف الأمم المتّحدة، ولكنّه عاد في مناسبة صفقةِ إخراجه بعد معركة جرود عرسال، وأصَرَّ على عودته إلى منطقة الرحيبة في الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها «الجيش السوري الحر» وليس إلى منطقة سيطرة النظام في القلمون الغربي، على رغم أنّه في غالبيته يتحدّر منها.

فيما قبلَ قسمٌ آخَر من هذه «السرايا» لديه صِلاتٌ بـ«أبي طه» العسّال القريب من النظام السوري، بحلِّ عودتِهم إلى منطقتهم في القلمون الغربي. وعليه أجَّلَ «حزب الله» بدءَ خروج مسلّحي «سرايا أهل الشام» والنازحين المواكبين لهم إلى حين إنهاء صفقةِ إخراج «النصرة»، وكان مطروحاً أن يغادرهؤلاء ابتداءً من أمس، على دفعتين، الأولى تتوجّه إلى منطقة الرحيبة حيث «الجيش الحر»، والثانية إلى القلمون الغربي حيث مناطق سيطرة الدولة السوريّة.

ـ ثانياً، في شأن العائدين إلى منطقة القلمون الشرقي من «سرايا أهل الشام» ومَن يرافقهم من النازحين، كان قد تمَّ إنجاز الاتّفاق الذي ينظّم عودتَهم منذ أكثر مِن أسبوع، وأُبلِغَت قيادة «سرايا أهل الشام» أنّ الجانبين اللبناني والسوري موافقان على بنوده التي تتميّز بسوابق، قياساً بكلّ عمليات إخراج المسلحين في المرّات السابقة، فهذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها إخراج مسلّحين للمعارضة مع عوائلهم من خارج سوريا إلى داخلها، كما أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها إخراج مسلّحين وعوائلهم يتحدّرون من منطقة القلمون الغربي المسيطَر عليها من الدولة السورية إلى منطقة القلمون الشرقي المسيطَر عليها من المعارضة.

وربّما كان هذا الأمر بحسب توقّعات متابعين ومتسائلين عن سبب تأخّرِ تنفيذِ الصفقة، هو الذي جَعل دمشق تتوجّس منه لأنّه يخلق سابقةً لجهة أن يعود النازحون، في حال اتّخاذ قرار دولي بذلك مع بدءِ الحلّ السياسي السوري، إلى مناطق سيطرة المعارضة داخل مناطق خفضِ التوتّر التي ستتّسع لاحقاً، وليس إلى مناطق سيطرة الدولة. وهذا الأمر يحتّم تبعات:

أوّلاً، لجهة أنّ النازحين العائدين سيصبحون ضمن المناخ السياسي للمعارضة، وسيقترعون بالتالي في حال حصلت انتخابات الرئاسة، وفق إرادتها، كونهم يقيمون في مناطقها.

ثانياً، لجهة أنّ ملفّ النازحين وإعادتهم سيصبح موجّهاً لخدمة دعمِ الوجود السياسي للمعارضة داخل سوريا، فيما المطلوب لتحاشي هذا الأمر أن يعود النازحون إلى مناطقهم حصراً، وأن لا يكون لهم خيار بانتقاء المنطقة التي سيعودون إليها.