IMLebanon

«موديز» و»P&S» وتصنيفات المصارف (1)

Joumhouriya-Leb

بروفسور غريتا صعب
تشكّل التصنيفات عاملاً رئيساً في الأسواق المالية العالمية حيث إنّ تصنيفات عالية الجودة ومن مؤسسات معترَف بها مثل موديز وS&P هي شرط أساسي لعمل الأسواق المالية بشكل صحيح، وتشكل عاملاً أساسياً ذات أهمية حاسمة بالنسبة للمصارف. والتصنيفات اذا ما أتت جيدة تشكل فرصة للمصارف لدخول أسواق رأس المال وتؤثر بصورة مباشرة في عملياتها، كذلك فإنّ هذه التصنيفات هي آداة قيّمة بالنسبة الى المودعين والمدينين والمشرّعين في تقييم القوة المالية للمصارف.
في ضوء الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ وأزمة الديون السيادية الأوروبية أصبح من المتوجب إصلاح عمليات التصنيف في محاولة لتقليل تضارب المصالح وزيادة الشفافية والمنافسة كون عمل مؤسسات التصنيف العالمية أصبح مدعاة للشك والتمييز وأمور سياسية لا تستوفي شروط عمل الأسواق المالية بشكل صحيح.

وعلى رغم محاولات تحسين عمليات التصنيف وإعطاء الأولوية للإصلاحات التنظيمية يبقى القول إنّ عمليات التقييم هذه لا تزال غامضة ومتفاوتة بين شركات التصنيف ولا سيما الرئيسة منها اي موديز وS&P.

واذا ما استخدمنا نموذج تصنيفات موديز وS&P للمصارف التجارية حول العالم نرى أنه وبالإضافة الى حرية التصرف في عملية التقييم، اختلافات في عملية تقييم الإئتمان كذلك في معايير الجودة ما يزيد في الإنقسام بين موديز وS&P في تصنيفها للمصارف، ويتبيّن انّ موديز قد تكون اكثر حساسية للمناخ الإقتصادي كذلك نرى تغيّراً في عمليات التصنيف المتبعة منذ الأزمة المالية العالمية. وإذ إنّ تصنيف الشركتين اكثر تقارباً مما كان عليه سابقاً إلّا اننا نجد أيضاً أنّ عملية التقييم تتأثر كثيراً بمدى شفافية المصارف ما يجعل مستوى السلطة التقديرية أعلى نسبةً في حال موديز.

وعلى وجه التحديد، وعلى عكس تقييمات الشركات قد تكون S&P اكثر تحفظاً (تقييم أدنى) بالنسبة للمصارف من وكالة موديز وقد تكون التنظيمات الحالية وبيئة الاقتصاد الكلي ونسب رأس المال واختبارات التوتر (Stress Tests) تجعل من الضروري تفهّم كيف يتمّ تحديد التصنيفات ومدى اختلافها بين وكالات التصنيف.

وقد تكون أسباب الإختلاف تعود للأمور التالية:

١- إعتماد موديز وP &S معايير تقييم مختلفة.

٢- خلافات منهجية في إجراءات التصنيف.

٣- خلافات التصنيف وانقساماتها قد تكون عشوائية بطبيعتها.

والتصنيف الإئتماني العالمي (Global Credit Rating) للمصارف والمؤسسات المالية الأخرى تكمن أهميته في كونه يتضمن كل العوامل الكمية والنوعية التي تعكس تقييم وضع المنظمات المالية الحالي والمتغير في المستقبل، وبينما منهجية تصنيف المصارف ترتكز وبشكل كبير على تصنيف المؤسسات المصرفية حسب قدرتها على الوفاء بالإلتزامات عامة (اي الودائع والإلتزامات الأخرى ذات الصلة بمسائل الديون)، ينطبق هذا التصنيف على عدد كبير من الكيانات يشمل ولا يقتصر على المصارف التجارية والـDiscount Houses والمؤسسات المالية الأخرى.

وأيضاً فإنّ هذه المنهجية سوف تشمل المؤسسات المحلية وتلك التي تعمل على نطاق أوسع والمبادئ التوجيهية التي تتبعها (GCR) تعطي نظرة عامة للعوامل الكمية والنوعية التي تؤخذ في الإعتبار عند دراسة المصارف (علماً انها تنطبق كما سبق وذكرنا على المؤسسات المالية الأخرى) ومنهجية الـ GCR تعتمد على المجالات الرئيسة التالية:

١- المخاطر الإقتصادية

٢- مخاطر الصناعة (بما فيها الإعتبارات التنظيمية) المصرفية

٣- وضعية السوق (بما فيها الإستراتيجية)

٤- نوعية الأصول

٥- التمويل والسيولة

٦- كفاية رأس المال

٧- إدارة الجودة

٨- إدارة المخاطر

٩- الأداء المالي ودراسة النسب (Ratio analysis)

وقد تكون المخاطر الإقتصادية من اهم الجوانب في دراسة الآثار المباشرة للإقتصاد في أداء القطاع المصرفي وحجم هذا الإقتصاد وآفاق نموّه اذ انه يشكل عاملاً مهماً ولا سيما عند النظر الى السياسة النقدية ومعدل نموّ الإئتمان، فضلاً عن الإتجاهات في الإدخار والإستثمار وما يترتب على ذلك من مشاكل تساهم في تحديد اسعار الفوائد والإئتمان والتي تؤثر بشكل كبير في بيئة تشغيل المصارف واستراتيجية نموّها والسيولة والربحية.

كذلك قدرة الإدارة على تحديد وقياس ومراقبة مخاطر الإئتمان ونوعية الأصول التي تدرسها GCR تستخدم على سبيل المثال لا الحصر مجموعة واسعة من عوامل التقييم تشمل تكوين الأصول وعمليات التركيز من حيث نوع القروض والضمان والقطاع الصناعي وغيرها.

كلّ هذه الأمور تشكل نقاطاً يستند اليها التقييم المالي للمؤسسات المصرفية وغيرها من المؤسسات المالية، هذا مع العلم انّ S&P وتصنيفها قد يكون اقل تأثراً بالأوضاع الإقتصادية نفسها كذلك فإنّ حرية التصرف هي اعلى عند موديز.

هذا بعض من جملة الأمور التي ذكرناها سابقاً ويبقى القول إنّ الحديث عن الإختلاف بين موديز وP&S يعود الى كونهما المؤسستين الأكثر أهمية والى تاريخهما الطويل في تقييم المصارف حيث إنّ S& P أجرت اول تقييم لها في حزيران ١٩٤٧ وفي العام ٢٠١١ صنفت ٢٤١٩ مصرفاً عالمياً باستخدام معيار AAA الى D، وموديز أجرت اوّل تصنيف لها في العام ١٩٧٣ وفي العام ٢٠١١ صنّفت ٧٩١ مصرفاً عالمياً باستخدام معيار AAA الى C، وان كان التصنيف يختلف بعض الشيء إلّا انه وبعد الأزمة المالية العالمية وبعد اتهام الشركتين بأنهما وراء ما حصل للعديد من الشركات مع تقديرات مبالَغ بها لمليارات الدولارات من الأوراق المالية، والجميع يتذكر RMBS (سندات الرهن العقاري) والتي حصلت على درجة ائتمانية AAA مكنتها من التسلل الى الأسواق ما أدّى الى اختناق الآلاف من البنوك والمؤسسات المالية وفي نهاية المطاف الى ركود عالمي هو الأول منذ عقود عدة.

كذلك انتقدت هذه الوكالات في إخفاقها تصنيف شركة أنرون التي حافظت على ترتيبٍ عالٍ جداً لأيام فقط قبل اعلان الشركة إفلاسها، كذلك شركة world com رغم انّ هذه الأخيرة أظهرت بوادر عديدة ومؤشراتٍ على تدهور وضعها المالي.

ويبقى القول إنّ الحقيقة هي أعمق بكثير من اعتماد منهجية موحدة في التقدير واحتساب النقاط لمختلف المؤشرات، وإنّ هذه الصناعة تعاني من عيوب خطيرة قد تؤثر في دقة التقديرات ولا سيما أنّ:

١- سوق الإئتمان احتكاري تسيطر عليها قلة قليلة من الشركات

٢- انّ شركات التصنيف يدفع لها من مصدرَي الأوراق المالية ما يعني تضارباً في المصالح.

وكما اتضح من الإنهيار المالي الأخير انّ وكالات تقدير الدرجة الإئتمانية قد يكون ضغط عليها من أجل إعطاء أعلى تصنيف في محاولةٍ لإرضاء مصدرَي الأوراق المالية التي تسدّد الفواتير.

هذا الإعتراف بنوعية احتكار السوق وتضارب المصالح يجعل من الصعب تقييم فعالية هذه المؤسسات والخطوات التنظيمية الملحقة بها ما يضرّ بالصناعة ككل والى حد بعيد خصوصاً أنّ المقترحات التنظيمية ما زالت تعاني عيوباً كثيرة ومخاطر إذ إنّ الهدف النهائي من التقييم هو دقة التصنيف وعدم تأثره سياسياً ووجود رقابة قد تفصل عندما تتضارب المصالح. اما أخطاء هذه المؤسسات ولا سيما بعد الأزمة المالية العالمية ما زالت مدعاة للشك إذ إنها تبقى اكبر بكثير من مؤشرات ترتكز عليها مؤسسات التصنيف هذه.