IMLebanon

«موديز» و «S&P» وعشوائية التصنيف

Joumhouriya-Leb
بروفسور غريتا صعب
لم تكن السنوات القليلة الماضية جيدة بالنسبة لأداء شركات التصنيف العالمية ولا سيما خلال الأزمة المالية العالمية التي أدت الى انهيار سوق السندات ما خفض العائد بمقدار الثلث. والأسوأ من ذلك هو أنّ تصنيف هذه الوكالات كان أحد الأسباب في تسريع الأزمة المالية مع إعطاء تصنيفٍ ممتاز لرهن السندات العقارية (MBS)، وما حدث في شباط الماضي لناحية طلب وزارة العدل الأميركية مقاضاة S&P بمبلغ ٥ ملايين دولار لإصدارها تصنيفات ذات معدلات مرتفعة جداً وحسب S&P قد يكون رداً على خفضها التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة.
واجهت S&P انتقادات من الإتحاد الأوروبي لمراقبة الأوراق المالية لإعلانها الخاطئ في العام ٢٠١١ انخفاض تصنيف فرنسا الإئتماني والذي اعتبرته سلطات الأوراق المالية الأوروبية ESMA، خطأً في تحكيم S&P وانتهاكاً للقواعد الأوروبية، وهذا الخطأ تسبب أثناءها بضجة في فرنسا ولا سيما انه جاء في ذروة أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو وشكّل ضربة قاسية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على رغم انّ هذا الامر لم يؤثر كثيراً في تكاليف الإقتراض التي انخفضت الى مستويات قياسية.

وحسب الـ ESMA فإنّ الحادث لم يكن «خطأً تكنولوجياً غير مقصود» ولكنّه جاء نتيجة قصور في ميادين مختلفة تبرز مع غياب المراقبة الداخلية وآلياتها. وقالت الـ ESMA إنها قد عثرت على أوجه قصور كثيرة في طريقة تقدير درجة الجدارة الإئتمانية لمؤسسات التصنيف.

وقد يكون لمؤسسات التصنيف هذه سلطة الحياة والموت لاقتصادات بكاملها ومما لا شك فيه انهم ساهموا والى حدّ بعيد في تسبب الأزمة المالية العالمية كذلك هم متهمون حالياً كونهم ساهموا في تفاقم مسألة الديون في منطقة اليورو.

وللعلم انّ تصنيف S&P الإئتمان السيادي لليونان كونه «junk»، وللبرتغال وإيرلندا بدرجة أفضل نسبياً، لا شك في انه يجعل هذه الدول في ورطة كبيرة خصوصاً لصعوبة حصولها على قروض إضافية من المؤسسات الدولية تساعدها على التعافي من مشاكلها. وكذلك فإنّ تخفيض تصنيف اليونان في السنين القليلة الماضية ساعد أزمة الديون السيادية الأوروبية.

كلّ هذا يعطي قوة هائلة لمؤسسات التصنيف إذ إنّ حُكم هذه المؤسسات يقرّر إذا ما كان باستطاعة الدول جمع الأموال من أسواق المال وتحديد السعر. لهذا اذا ما تمّ تخفيض التصنيف الإئتماني لهذه الدول ترتفع الأسعار ما يزيد في تفاقم المحنة ويؤدي بدوره الى زيادة في التخفيض، لذلك قد يكون السؤال: هل يعقل لهكذا سلطة جهنمية ثلاثية (Moody’s, S&P, Fitch) تتركز في القطاع الخاص أن تتحكم بالنظام المالي العالمي ولا سيما أنّ هدفها الأساسي ليس استقرار النظام المالي انما الربح المادي.

وهذه الأمور كلها ليست الأخطاء الثلاثة الكبيرة الوحيدة إذ انهم ارتكبوا أخطاء أخرى بالحجم نفسه في الماضي القريب وليس فقط في تقييم البلدان إنما أيضاً في تقييم الشركات والأوراق المالية والتي تشكل جزءاً هاماً من مهماتهم، وعلى سبيل المثال تصنيفهم لبنك الإستثمار Lehman Brothers والتي أعطته شركات التصنيف درجة «A» وهي ثالث أفضل فئة في درجات التصنيف وبوقتٍ قصير قبل انهياره، كذلك برز فشلهم مع (American International Group (AIG والذي تطلّب إمدادات مالية قوية من الحكومة الأميركية.

وحسب قول الإقتصادي Paul Krugman «انّ S&P هي الملاذ الأخير الذي يجب التحوّل اليه لإعطاء الأحكام بمستقبل اقتصاد أمة». كذلك كثير من الأكاديميين والخبراء الماليين يصرّون على القول إنّ أساليب وكالات تقدير درجة الجدارة الإئتمانية لم يتغير لكنّ وكالات التصنيف غير موافقة على ذلك، قائلة إنها تعلمت من الهزيمة وأدخلت تعديلات جديدة على التصنيف.

لكن وعلى رغم الدروس المستفادة من الأزمة المالية يقول المحللون إنّ أوجه القصور مع وكالات تقدير الجدارة الإئتمانية لا تزال موجودة وتشكل خطراً على النظام المالي عموماً وعلى عمل الأسواق خصوصاً علماً انّ S&P وحسب تقاريرهم قدرت انهم «دفعوا حوالى ٤٠٠ مليون دولار لتعزيز النزاهة والإستقلالية وفي إنشاء قيادة جديدة وإدارة جديدة لتعزيز إدارة المخاطر».

وقد لا تكون هكذا تقارير كافية لتعزيز مصداقية هذه المؤسسات إذ إنه لم يتغير الكثير من إدارتها وتصنيفها وتعاطيها مع تصنيف الدول ما يجعل الأمر هاماً بشكلٍ يتطلب تدخل الحكومات في محاولة للجم تمادي هذه المؤسسات وإدخال نوع من الرقابة على عملها وقد تكون اميركا سباقة في هذه الأمور ولا سيما أنها تعلمت دروساً قاسية نتيجة الأزمة المالية العالمية كذلك كون التصنيف الأفضل مثل AAA أصبع وليد مَن يدفع اكثر وليس مَن يستحق اكثر.

وجاء Dodd Frank Act 2010 والذي يهدف الى إصلاح وول ستريت وحماية المستهلك إضافة الى مجموعة من الإصلاحات المالية، كذلك طالب الفيديرالي الأميركي والـ securities and exchange commission تشديد تنظيم الوكالات وتقليل الإعتماد والإشارة في تصنيفاتهم للمصارف.

كذلك فعل الإتحاد الأوروبي والذي أنشأ الـ ESMA، مجموعة تنظيمات بشأن وكالات التصنيف العالمية في أيار ٢٠١١ إلّا انه ولغايته لم يتم الإنتهاء منها. لذلك يمكن القول إنّ عمل مؤسسات التصنيف لم يشهد الكثير من التغييرات وعلى رغم الإعتراضات عليها لا زالت مهيمنة على نحو ٩٥٪ من السوق العالمية للتصنيفات.

كذلك ما زالت إيراداتها مزدهرة إذ إنّ معدلات الإيرادات من الخدمات تجاوزت مستويات ما قبل الأزمة ويجدر بالذكر انّ أرباح موديز بلغت رقماً قياسياً وتبعتها S&P وحتى كتابة هذ السطور يبدو انها اكثر أهمية من أيّ شركة مالية أخرى، ومع ازدهار أسواق السندات مرة اخرى تعود هذه الوكالات الى وضعيتها المربحة مع انها تبقى مثيرة للجدل.

وقد يكون الخطير في هذا كله هو انّ الدول النامية والتي في طور النموّ تعتمد وبشكل واضح على تصنيف تلك المؤسسات وه تكون وفي بعض الأحيان غير مستندة على صورة شاملة وواضحة لإقتصاد هذه الدول وقطاعاتها مما يستدعي الكثير من التحفظ لدى حكومات تلك الدول- وتعداد الأغلاط التي مرت بها هذه المؤسسات لا يستدعي الإطمئنان ونتيجة لذلك يمكن ان تأخذ الدولة في دوامة التراجع والإنكماش ان كان من ناحية تصنيف الجدارة الإئتمانية او تصنيف القطاعات المالية ولاسيما المصرفية منها- والسؤال الذي يطرح نفسه الآن على ماذا اعتمدت هذه المؤسسات ولا سيما S&P في خفض تصنيف لبنان الى درجة B، اي ست درجات اقل من درجة الإستثمار وكذلك ماهي معطيات التي استندت عليها موديز مؤخراً في تحذيرها من خفض تصنيف المصارف اللبنانية.

قد تكون المعطيات المصرفية وفي المطلق لا تدعو للقلق انما الوضع الأمني والحرب في سوريا قد تنعكس سلباً ليس فقط على الودائع كذلك على نمو الناتج المحلي والذي وحسب التقارير تراجع الى حوالي ٢٪ وزيادة المديونية مقارنة بالناتج- وقد تكون الأسباب متماشية مع جملة أمور عالمية لاسيما انخفاض درجات التصنيف في العديد من الدول الأوروبية نتيجة أزمة الديون السيادية.

وبالمطلق فان S&P و موديز قد تكون استندت في تصنيفها الى أمور هي فقط أمنية اذ ان المعطيات المصرفية مطمإنة بالمطلق ولا يستبعد ان تكون عشوائية كما حصل في السابق مع الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية الأوروبية مما يجعلها غير دقيقة في تصنيفها للصناعة المصرفية وتقييمات المخاطر وهذا ما حصل مع فرنسا بالتحديد.

وفي النهاية يبقى القول ان مؤسسات التصنيف هذه استفادت من الأزمة المالية العالمية وأدخلت العالم بركود اقتصادي لا مثيل له وارتداداته ما زالت تتردد في دول العالم الصناعي لاسيما أوروبا- لهذا وجب القول انه اكثر ما يلزم شركات التصنيف هذه شركات تشرف على تصنيفها وتتأكد من صحة آدائها وسلامة معلوماتها.