IMLebanon

فضاء لبنان «يُهتك»: beIN sports تبثّ بلا إذن وتقاضي TL لبنان

Akhbar
محمد وهبة

الفضاء ملك عام مثله مثل الأملاك البحرية والنهرية والبريّة. ملكيته وإدارته وتنظيمه تعود للدولة اللبنانية. السلطة في لبنان دفعت لشركة «سما» 3 ملايين دولار بذريعة تمكين اللبنانيين من مشاهدة مباريات المونديال، لكنها سكتت عن شركة beIN sports التي تغتصب الفضاء اللبناني وتقاضي لبنان بتهمة بثّ مباريات المونديال!
«ضربني وبكى وسبقني واشتكى». هذا المثل ينطبق تماماً على الدعوى التي قدّمتها beIN sports على تلفزيون لبنان بسبب بثّ مباريات المونديال. هذه الشركة التابعة لقناة «الجزيرة» المملوكة من الحكومة القطرية، اغتصبت فضاء لبنان واستعملته ممرّاً لممارسة احتكارها التجاري مع الـ«فيفا». أما سيادة لبنان «المهتوكة»، فلم تمنع وزارة الاتصالات من دفع مبلغ 3 ملايين دولار لشركة «سما» التي كانت المروّج الحصري لعملية الاغتصاب الآنفة الذكر، ولم تحفظ تلفزيون لبنان من دعوى قضائية رفعتها عليه الشركة القطرية… الرهان على القضاء وحده لإنصاف هذا التلفزيون والسيادة اللبنانية.

عندما مَثَلَ رئيس مجلس إدارة ـــ المدير العام لتلفزيون لبنان، طلال المقدسي، أمس، أمام قاضية الأمور المستعجلة زلفا الحسن، كان موجوداً بوصفه الرجل الذي أهدى حقّ مشاهدة مباريات كأس العالم لكل فقراء لبنان. فهؤلاء ليس لديهم القدرة على شراء اشتراك من الكابلات غير الشرعية ولا شراء اشتراك في محطّات البث النظامية أيضاً، وبالتالي كانت المباريات أمراً محرّماً عليهم قبل أن يقوم «روبن هود» لبنان ببثّ مباريات كأس العالم في كرة القدم.
بهذه الخلفية حضر المقدسي إلى الجلسة ووقف أمام الحسن مدّعى عليه. لا يملك الرجل سوى الرهان على القضاء اللبناني لإنصاف فقراء لبنان الذين انتهكت حقوقهم بالجملة عندما بدأت الشركة المدعية، أي beIN sports، ببث مباريات المونديال من خلال استعمال الفضاء اللبناني وتأجير هذا الفضاء لشركة لبنانية اسمها «سما». ورغم هذا الاغتصاب المتعمّد، تجرأت هذه الشركة التابعة لقناة الجزيرة المملوكة من الحكومة القطرية على أن تطلب من القضاء اللبناني المستعجل وقف بثّ مباريات المونديال على تلفزيون لبنان بذريعة أنها ممثل الفيفا الوحيد والحصري.
إزاء هذا الاغتصاب، لم يكن أمام المقدسي سوى فتح الموضوع على مصراعيه. المدّعى عليه، أي تلفزيون لبنان، قرّر أن يطلب تزويده بكل الوثائق والمستندات المتعلقة بالقضية من أجل تمكينه من الردّ على مطالبات الجهة المدعية. الحسن منحته هذه الفرصة، وأمهلت الشركة القطرية أربعة أيام لتزويد تلفزيون لبنان بالمستندات وتمكينه من إعداد دفاعه.
قرار القاضية أزعج الشركة التي تطالب بوقف بثّ تلفزيون لبنان، حتى إن مصادر مطلعة على ما دار في الجلسة قالت إن محامي الشركة لمح إلى أنه قد يلجأ إلى تنحية القاضية وتعيين بديل منها، لكنه تراجع عن ذلك خوفاً من مواجهة مع القضاء.
وفي الواقع، إن ادعاءات الشركة القطرية أنها الممثل الوحيد والحصري لـ«الفيفا» وطلبها من القضاء المستعجل وقف تلفزيون لبنان عن بثّ مباريات كأس العالم، لا يلغيان أفعالها لجهة انتهاك السيادة اللبنانية واستعمالها الفضاء اللبناني لبثّ المباريات من دون إذن الحكومة اللبنانية.

من يُحاسب وزارة الاتصالات على دفع
3 ملايين دولار
لا بل إن هذا الأمر «يوجب على تلفزيون لبنان المطالبة بالتعويض والضرر اللاحقين به من جراء هذا الانتهاك للفضاء اللبناني، ويفترض بالحكومة والوزراء الذين وقّعوا الاتفاق مع شركة خاصة ودفعوا لها الأموال من أجل الحصول على حقّ بث المباريات أن يطالبوا بالتعويض»، يقول رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ.
ففي الواقع، إن الفضاء اللبناني هو ملك عام، مثله مثل الأملاك العامة البحرية والنهرية والبرّية… كل هذه الأملاك العامة تعود ملكيتها وإدارة شؤونها وتنظيمها إلى الدولة اللبنانية، وهي منظمة بالقانون 382/94 الذي حدّد الأصول الواجب اتباعها من أجل استعمال الفضاء اللبناني، أي أن يقدّم طلب إلى المجلس الوطني للإعلام ويرفع إلى وزارة الاتصالات التي ترفعه بدورها إلى مجلس الوزراء حيث يتخذ القرار بشأنه. وهذا القانون يمنع، أيضاً، على أي بثّ تلفزيوني أو بث راديو تأجير الحقّ الممنوح له، وبالتالي فإن السؤال المطروح هو: بأي حقّ تستعمل شركة beIN sports الفضاء اللبناني وتؤجّره لشركة لبنانية (المقصود سما)؟ ومن أعطاها الإذن للقيام بذلك؟
إجابة المقدسي تشير إلى أن «الدولة اللبنانية لم تعلم ولم تُستشر، ولم تتواصل الشركة القطرية مع وزارة الإعلام ولا مع وزارة الاتصالات أو مع الشباب والرياضة من أجل الحصول على حقّ استعمال الفضاء اللبناني، «أجواؤنا ليست سائبة بل هي ملك لشعب لبنان».
غير أن محفوظ يذهب أبعد من المقدسي في استنتاجاته، متهماً قطر بأنها «تعتدي على سيادة لبنان»، ويتساءل: «لا أعلم لماذا دفعنا الأموال من أجل اتفاق يقضي ببثّ المونديال عبر الكابلات، ولا أعلم لماذا لم يعرض الأمر ويناقش حيث يجب أن يتخذ القرار. لكن ما هو واضح أن سطوة قطر على لبنان كبيرة، لأن المسؤولين اللبنانيين راهنوا على خطوة ما من أمير قطر بأن يمنح لبنان حقّ بث المباريات مجاناً، وقد أرسل رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان رسالتين إلى أمير قطر، وطلب السفير اللبناني في قطر تردّدين لنقل البثّ، ولم يحصل أيّ منهما على إجابة».
إذاً، سطوة قطر تثير أسئلة كثيرة ردّدها المقدسي على باب قصر العدل: هل العقود الحصرية بين فيفا والشركة القطرية مسجّلة لدى الدولة اللبنانية ورسومها مدفوعة وعليها كل التواقيع والموافقات اللازمة للحصول على حصرية بثّ المونديال في لبنان؟ وبمعنى آخر، هل لدى هذه الشركة حق استعمال الفضاء اللبناني؟
أسئلة المقدسي وإجاباته عن أسئلة الإعلاميين لن تعجب الشركة القطرية، لأنه يؤكد أن «تلفزيون لبنان لم ينقل عن beIN sports أي مباراة، بل كان ينقل عن محطات ثانية».
غير أن أسئلة المقدسي وحدها لا تكفي. فاللبنانيون دفعوا من جيوبهم 3 ملايين دولار من أجل اتفاق بين وزارة الاتصالات وشركة سما التي اشترت من beIN sports، حاملة حقوق بثّ مباريات المونديال في الشرق الأوسط حصرياً، حقوقاً حصرية في لبنان لتوزيع بثّ المباريات على شركات الكابل فقط. وبالتالي، فإن هذا الاتفاق أنقذ شركة «سما» من خسارة مالية كبيرة تكبّدتها بسبب ضعف مبيعات اشتراكات مشاهدة المباريات. وبحسب ما هو معلن، فإنه بموجب هذا الاتفاق الذي سجّلت كلفته على ميزانية مشغلي الخلوي في لبنان، أي ألفا وتاتش، تنازلت شركة «سما» عن حقوقها لمصلحة أصحاب محطات الكابل في لبنان، أي «موزّعي الساتلايت» غير الشرعيين… من سيحاسب وزارة الاتصالات وشركاءها في هذا الاتفاق؟ أليس دفع هذه الأموال يعدّ هدراً للمال العام؟ ألم يكن أجدى بوزارة الاتصالات أن تفرض على «مغتصبي الفضاء اللبناني» بثّ المونديال عبر تلفزيون لبنان حتى يتاح لأكثر من 60% من الأسر اللبنانية الفقيرة مشاهدة المباريات؟
المقدسي يجيب عن كل هذه الأسئلة: تلفزيون لبنان سيواصل بثّ مباريات المونديال.