IMLebanon

الشرق الأوسطية الإقتصادية والعرب

Liwa2
ماجد منيمنة

إن الظروف التاريخية لنشوء السوق الأوروبية المشتركة تختلف عن تلك المرتبطة بواقعنا العربي. فإذا عكف أحدنا على دراسة مستويات التكامل بين الإقتصاديات العربية، سيجد أنها لم تكن مشجعة لقيام سوق عربية مشتركة موحدة. إن مفهوم الربط بين الإقتصاد والسياسة في ما يتعلق بالحالة العربية – الإسرائيلية، أمر واقعي، لذلك فإن الفكرة وراء إنشاء سوق شرق أوسطية أو شرق أوسط جديد أو نظام إقليمي شرق أوسطي، تكاد تكون فكرة سياسية محض.
في الخمسينات، كان لهذه الفكرة هدف واضح ومحدد يتمثل في إحتواء الحركة التحررية للقومية العربية التي كانت قائمة في مصر وسوريا ولبنان والعراق وغيرها. أما الآن، فإن لهذه الفكرة أهدافاً أخرى تتميز بغلبة الطابع الإقتصادي البراغماتي، ولا يخفي الظاهر منها جانبها السياسي. هذا لأن الفكرة هي غربية أساساً، ولأن المشاريع المطروحة ، سواء مشروع شيمون بيريز أو المشاريع الأوروبية أوالأميركية، هي مشاريع من نسيج القيادات غير العربية وهي أفكار أتت اليهم من الغرب وبصيغة معلبة.
إن السوق الشرق أوسطية تهدف بالأساس، كماأظهرت نتائج حرب الخليج، إلى تحويل عبء إستمرار إسرائيل ونموها على حساب المنطقة العربية, وهذا يعني في المحصلة دمج إسرائيل في المنطقة العربية ولكن بعد تفتيتها لتدخل القوى الإسرائيلية بأحجام كبيرة تبتلع ما بقي من هذه الدول المهترئة إجتماعيا وسياسيا وثقافيا وإقتصاديا وتفرض عليهم تكتلات تعمل لمصلحتها وحسب أولوياتها المالية. فهي حتما سوف تستفيد من الموارد العربية من النفط، ومخزون الغاز الطبيعي لتصبح مركزاً تجارياً وماليا وإقتصاديا وإقليميا مميزا في المنطقة. بإختصار إن عبء الإقتصاد الإسرائيلي أو عبء نموه، سوف يتحول على حساب نمو المنطقة العربية.
إذاً، تهدف هذه الفكرة أساساً إلى دمج إسرائيل في المنطقة العربية، مما يتيح لها الإفادة من الموارد البشرية والنفطية والمالية للمنطقة وهذا بفضل تقدمها العلمي وعلاقاتها المتينة مع الغرب.و حول هذه النقطة أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في مؤتمر لمعهد دراسات الأمن القومي،أن إسرائيل ستقف في وجه «التطرف الإسلامي» الذي يتمدد في المنطقة، وأنها ستعمل على مساعدة الأردن في وجه ذلك كما ستساعد الأكراد في تحقيق الإستقلال الذاتي. ويروج الإسرائيليون بأن هناك إنهيارا في العراق وغيره من مناطق الشرق الأوسط التي ترزح تحت صراعات بين السنة والشيعة وأن هذه الصراعات سوف تستمر لأمد طويل خاصة إذا لم ترسم وتنفذ خريطة السلام في منطقة الشرق الأوسط. وترى القيادة الإسرائيلية بأن التحدي الأول هو حماية الحدود الإسرائيلية ضد القوى الإسلامية الراديكالية المتطرفة، من الشمال والجنوب وغيرها. كل ذلك يظهر مدى إصرار إسرائيل بأن تكون مسيطرة أمنيا ولفترة طويلة على الحدود الشرقية إلى أن تتوصل الى إتفاق سلام مع العرب. ويرى الإسرائيليون بأن أي تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين يجب أن تضمن دولة منزوعة السلاح من قبل العرب وفرض القوة الإسرائيلية بإبقاء القنابل النووية التي تعمل لمصلحة قوة إسرائيل، وعندالعودة للمفاوضات, فالإسرائيليون سوف يعملون من أجل ترتيبات أمنية من شأنها أن تضمن سيطرتهم على طول الحدود مع البلاد العربية.
كما أن هنالك قضية أساسية متعلقة بإرتباط السياسة بالإقتصاد في مسألة التكتلات الإقتصادية. وهذه المسألة مهمة جداً وحاسمة بالنسبة لموضوع تاريخ التكتلات الإقتصادية وعلاقتها بالسياسة والإقتصاد. إن هناك ثلاثة أطراف تتحكم بسياسة الشرق الأوسط هي: إسرائيل من ناحية، والبلدان العربية وإيران، وهناك الولايات المتحدة وأوروبا في خضم الإطار العالمي. وبالنسبة إلى البلدان العربية، فكانت توجد لديهم فكرة لهذه المشاريع ولكنها أفشلت في ما بعد، بسبب الصراعات البنيوية الدائرة في المنطقة. إن السبب في فشلها يعود إلى فشل التجارب العربية التي تتطلب دوماً التوسع الداخلي ضمن نطاق الدولة الواحدة، وبالتالي إن أفاق آلية التكتل العربي أضحت هزيلة، وبالتالي يتم التركيز على المحافظة على مصالح الفئات الحاكمة على حساب المشروع العربي الكبير ومنها طبعا السوق العربية المشتركة.كما توجد توترات دائمة حول النقاش والمشاريع الخاصة بالتكامل الإقتصادي العربي، حتى أصبحت القوة الموضوعية لهذا التكامل غائبة عن تنفيذ أي مشروع عربي مشترك.
وإذا كان هنالك قوة تريد أن يتحقق هذا التكامل الإقتصادي العربي معها اليوم، فهي حتما إسرائيل. والسؤال هل تريد إسرائيل فعلا تحقيق هذا التكامل لحاجة إقتصادية إسرائيلية داخلية؟ فالجواب هو نعم هناك حاجة إقتصادية ملحة، لأن إسرائيل عاشت في تناقض أساسي بين قوتها العسكرية وقوتها الإقتصادية، وبالتالي فهي تريد أن تحاول تسوية هذا التناقض بفرض سوق شرق أوسطية تكون هي المساهم الأكبر فيها. وستكون هذه التسوية من ضمن سعي إسرائيل لإقامة تكتل إقتصادي شرق أوسطي أو عربي يدفعها نحو التنمية وإبراز قوتها الرأسمالية في الهيمنة الإقتصادية والتجارية.
وإذا أجرينا مقارنة بسيطة بين إقتصاد إسرائيل والإقتصاديات العربية في سوريا، لبنان، الأردن ومصر، مستعينين بجداول للموازنة ولمستويات دخل الفرد وكم تبلغ موازنة كل وزارة في الوطن العربي، فسوف يتبين لنا أن الموازنة الإسرائيلية وحدها تساوي مجموع موازنات الدول العربية المذكورة، فضلاً عن الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أن المساعدات العينية والنقدية التي تحصل إسرائيل عليها تفوق المساعدات التي تحصل عليها دول الطوق. إذاً إسرائيل متفوقة على دول الطوق حتى من قبل إقامة السوق الشرق أوسطية ناهيك عن مراكز الدراسات والإحصائيات التي تملكها والتي تتحكم بمصالح العباد والبلاد ولها تأثير مباشر على هيكلية إقتصاد العالم.
فإذاً أين تكمن قوة إسرائيل الإقتصادية؟ فهي ليست في المساعدات الأميركية ولا في المساعدات الأوروبية ولا في واقع كونها متقدمة إقتصادياً وسياسياً… الخ، ولكن هذه القوة بارزة على مستوى السياسة في البنية الداخلية لمجتمعها حيث أن المجتمع الإسرائيلي يعمل على هدف واحد وهو بناء دولة إسرائيل على حساب الدولة الفلسطينية وبغياب كلي للتحرك العربي لصد برنامجها التوسعي.
إن خطورة إسرائيل هي في تكوينها للوبي الصهيوني الضخم المسمى بالشركات الإسرائيلية – الأميركية إذا صح التعبير والمسمى «أيباك»، وفي تكوين جاليات يهودية منتشرة في أوروبا وأميركا، وبالتالي، فإن المواجهة ليست مع دولة محدودة الكيان والجغرافيا والإمكانات بل تكتلات إخترقت المجتمعات الدولية وأثبتت نفسها فيها بقوتها المالية والإعلامية. وفي حال توقيع الصلح العربي- الإسرائيلي، سنواجه هجمة بنوك تملك المليارات من الدولارات وتتمتع بخبرات إقتصادية وتجارية ضخمة وتملكها جميعاً مجموعات ضغط سياسية و إقتصادية محسوبة على إسرائيل وأولها عائلة «روتشيلد» الذين يملكون 40 مصرفا خاصا في معظم دول العالم. إن إسرائيل ستكون معبر هذه المجموعات إلى المنطقة وسيكون «مثلث الازدهار», بلاد طوق الشرق الأوسط- الخليج العربي- إسرائيل, ضمن هذا الإقتصاد العالمي الذي ليس هو إقتصاداً إسرائيلياً في نهاية الأمر، وإنما هو الأداة لتكوين هذا الإقتصاد العالمي لتكون في المحصلة دولة إسرائيل من نواته.
إذا أخذنا كل نظام إقتصادي عربي على حدة، سنجد أن علاقاته مع دول المركز في أوروبا وأميركا أعمق بكثير من علاقات أي دولة عربية مع الدولة العربية الأخرى. ويتمثل الرد على هذا الأمر في الدفع في إتجاه إقامة علاقات أفقية وجوارية بين الدول العربية لكسر هذه المركزية في العلاقة بين دول الشمال ودول الجنوب. وعلى العرب البدأ بتفعيل العلاقات في ما بينهم لتكوين قوة ضاربة في وقت الشدة وقوى إقتصادية متوازنة مع الشركات الإسرائيلية في حال السلم والرخاء. وهذا لن يحصل إذا لم تبادر الدول العربية بإنشاء سوق عربية مشتركة لدحض المشروع المرسوم للشرق الأوسط الجديد وأوله فك إرتباط الدولار الأميركي بالعملة المحلية ومن ثم البدء الجدي في إصدار عملة عربية موحدة تكون ركيزتها وقوتها مدعمة بقيمة الذهب الأسود!