IMLebanon

مسؤولو البنوك المركزية عالقون في فخ من نسج خيالهم

CentralBanksGovernors
مارتن ساندبو

يمكنك تقريبا سماع العجلات الكبيرة للسياسة النقدية العالمية وهي تنعطف. فالتغيير جار على قدم وساق في كل بنك مركزي رائد: بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اشترى آخر مجموعة من سنداته طويلة الأجل، وبنك إنجلترا يقلل من احتمال ارتفاع أسعار الفائدة (بعد التحدث عن ارتفاعها منذ وقت ليس ببعيد)، وبنك اليابان يعجل بعملية استحداث النقود. حتى البنك المركزي الأوروبي يزحف نحو شراء الأصول.

هذا ليس بالوقت السيئ لتقييم المقدار الذي يمكننا طلبه من البنوك المركزية. فمن المألوف أن نقول إن السياسة النقدية “ترهق كاهلها”، وأن السياسة المالية العامة فقط يمكن أن تساعد الاقتصادات الضعيفة في الخروج من أخدودها. أنا لا أختلف مع أحد حول أهمية استخدام السياسة المالية العامة حيث يوجد مجال للمناورة (كما هو الحال في منطقة اليورو ككل، لأن العجز في المالية العامة هو فقط 2.5 في المائة من الناتج). وهناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية أيضا. لكن يجب أن نختلف مع الفكرة القائلة إن السياسة النقدية أنجزت بقدر ما تستطيع.

الفكرة القائلة إن الاقتصادات المتقدمة واقعة في “فخ السيولة” – حيث طبع النقود لم يعد له أي تأثير – تعد فكرة غادرة. المشكلة إلى حد ما تتعلق بالدلالات، لكن يمكن للدلالات أن تشكل السياسة. وهذا فخ من الصعب رصده ومن الصعب، أو المستحيل، الهروب منه. وهذا يعني أن صناع السياسة النقدية فعلوا كل ما هو ممكن. في نماذج الاقتصاد في فخ السيولة، يكون البنك المركزي عاجزاً. وعلى الرغم من أنه بإمكانه استحداث المال كما يشاء، إلا أن هذه السلطة لم تعد توفر التأثير في أسعار الفائدة أو القدرة على إعطاء دفعة قوية للاقتصاد.

السبب في حدوث هذا هو وضع مفترض يسمى “حد أدنى أقرب إلى الصفر” بشأن أسعار الفائدة. البنوك المركزية تحفز الإنفاق والاستثمار من خلال زيادة المعروض من النقود. ومع وجود السيولة في الاقتصاد بشكل أكثر مما يريد الناس حيازته، يحاولون شراء أصول مربحة لأموالهم. هذا يدفع أسعار الفائدة في السوق إلى أسفل. لكن عندما تكون أسعار الفائدة الاسمية (قرب) الصفر، يمكن للمستثمرين اقتناء كل السيولة التي يلقيها البنك المركزي باتجاههم دون فقدان عوائد في مكان آخر، لذلك عملية طبع النقود تفقد قوتها لسحب معدلات أسعار السوق إلى مزيد من الانخفاض – حتى لو كان هذا هو ما يحتاج إليه الاقتصاد تماما لتوظيف موارده.

إذا كان هذا هو الوضع الذي كنا فيه، بالكاد يمكننا أن نلوم البنوك المركزية لفشلها في تقديم المزيد من الحوافز النقدية. أفضل ما يمكنها فعله هو الوعد بارتفاع معدل التضخم في المستقبل، وذلك لجعل أسعار الفائدة الحقيقية – التي تأخذ في الحسبان التضخم وتشكل قرار الناس سواء بالاقتراض أو الادخار – تنخفض كثيرا إلى ما دون الصفر. لكن هل من الممكن أن نصدق مثل هذا الوعد من بنك غير قادر على إيجاد التضخم الآن؟ سلطة أي بنك مركزي لتغيير التوقعات تعتمد على قوته لجعلها حقيقة واقعة.

لم يحدث هذا الموقف في الأزمة الحالية. انظر إلى ما هو أبعد من أسعار الفائدة قصيرة الأجل وستجد أن من الواضح أن أسعار الفائدة الأطول أجلا تعتبر إيجابية إلى حد كبير في كل مكان. حتى لو كان الصفر هو “الحد الأدنى”، لا يمكن أن يقال إن البنوك المركزية قد وصلت إليه. البنوك الكبيرة منها (باستثناء البنك المركزي الأوروبي) استخدمت على نحو لا يمكن إنكاره عملية شراء الأصول للتأثير في هذه المعدلات – لكن ليس بالطريقة الأكثر فاعلية. كان بإمكانهم أن يعلنوا إلى أي مدى يريدون لأسعار الفائدة طويلة الأجل أن تنخفض، وقد التزموا بشراء ما يلزم من السندات للوصول إلى الهدف. وبدلا من ذلك، هم ملتزمون بشراء كمية محددة من السندات – والسماح لتكلفة الاقتراض على المدى الطويل الناتجة عن ذلك أن تكون كيفما اتفق.

إن جلب أسعار الفائدة طويلة الأجل نحو الصفر يمكن أن يتطلب مشتريات كبيرة طالما بقيت أسعار الفائدة قصيرة الأجل إيجابية: يصر المستثمرون عادة على فرق سعر بين الأصول الأقصر والأطول أجلا (التي يمكن أن تكون أكثر خطورة).

لكن من الخطأ أن نفكر بأن أسعار الفائدة لا يمكن أن تهبط إلى ما دون الصفر. سعر الفائدة الذي يقع مباشرة تحت سيطرة البنوك المركزية – الفائدة على ودائع البنوك لدى البنك المركزي – يمكن جعله سلبيا كما يمكن لك أن تتمنى. هناك أسئلة فنية تنطوي على حوافز لتخزين السيولة المادية، لكن هذه الأسئلة قابلة للحل. ومع وجود سعر فائدة سلبي على الودائع بما فيه الكفاية، فإن سعر الفائدة على أصول أخرى يمكن أن يكون سلبيا كذلك. الحد الأدنى الأقرب إلى الصفر هو الوحيد الذي تفرضه البنوك المركزية على نفسها.

هذا صحيح ولا سيما في منطقة اليورو. ويرجع سبب هذا جزئيا إلى المعارضة المشلولة سياسيا بين مصالح الدول الدائنة والمدينة. وهو أيضا بسبب الطريقة التي يعمل بها البنك المركزي الأوروبي. فهو عادة ما يغير المعروض النقدي من خلال تقديم قروض للبنوك بدلا من شراء الأصول المالية – ما يجعل التوسع النقدي معتمدا على استعداد البنوك لقبول العرض.

ليس هناك عذر للبنك المركزي الأوروبي لعدم تكيفه بشكل أسرع بكثير مع ذلك. يجب أن ينظر إلى بنك اليابان، الذي يشمل نهجه المتمثل في طلب المساعدة من الجميع لطباعة المال شراء سندات الشركات وأسهم في صناديق الاستثمار. هناك درس لفرانكفورت، بما لديها من مخاوف إزاء شراء السندات. ذلك هو: عليك شراء أي شيء – أيا ما تفعل، اشترِ شيئاً ما على الأقل.